التوغل الإسرائيلي في سورية وتغيير استراتيجيته الى الضربات الجوية 813

التوغل الإسرائيلي في سورية وتغيير استراتيجيته الى الضربات الجوية

منذُ أن سقط نظام الأسد استباح الكيان الإسرائيلي الجغرافيا السورية من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها بحجة القضاء على القوة العسكرية الضاربة التي كان يمتلكها الجيش السوري من قواعد ومستودعات صاروخية قصيرة ومتوسطة المدى وكانت تهدد أمن النظام الإسرائيلي، وقد عبر عن ذلك معظم المسؤولون في الكيان أثناء القيام بتلك الضربات النوعية ضد ما أسموها التهديدات العسكرية للأمن القومي الإسرائيلي. سنستعرض في هذا المقال السياسة التي تتبعها إسرائيل في كل مرحلة للتهرب من جرائمها الدولية في خرق القانون الدولي لاحتلال أراضي جديدة داخل الجغرافيا السورية، وانتهاك السيادة الوطنية في ظل التمادي المتزايد للغطرسة الصهيونية وتبريرها لهذه المواقف بحجة أمنها وحماية حدودها من الإرهاب والتطرف.

تغيير استراتيجية الهجمات والتدخل العسكري

بعد التنديدات الواسعة ضد عملية بيت الجن في القنيطرة، بدأ الكيان نهجاً جديداً وذلك باستخدام الضربات الجوية بدلاً من التوغل البري والعمليات العسكرية على الأرض، وقد ذكرت القناة الثالثة عشر الإسرائيلية "أن الجيش يدرس تغيير استرتيجيته في الجنوب السوري عبر تقليل الاعتقالات الميدانية وزيادة الاعتماد على الضربات الجوية حفاظا على سلامة جنوده بعد الاشتباكات التي وقعت في قرية بيت جن" .[1]


إن تغيير إسرائيل لنهجها من العمليات البرية إلى الإرهاب التي تمارسه عبر العمليات الجوية ليس دليل قوة، بل محاولة لإخفاء طبيعتها غير القانونية والتهرب من المسؤولية الدولية. تل أبيب تعلم أن الوجود البري عدوان واضح، ولذلك تلجأ إلى أسلوب يخفي من جهة، المسؤولية الصريحة عن العدوان والتوغل البري، ومن جهة ثانية تخفف من المخاطر التي قد يتعرض لها جيشها داخل الأراضي السورية جراء أي نوع من أنواع المقاومة الشعبية.


انتهاك صارخ للسيادة الوطنية السورية

على مدى السنوات السابقة، وخاصة خلال الحرب السورية عملت إسرائيل على خرق السيادة الوطنية السورية بشكل دائم بذرائع مختلفة من أجل أن تكسر قوة الجيش السوري المعنوية قبل العسكرية، ضاربة بعرض الحائط كل القوانين الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة التي منعت إسرائيل من التمادي في خرق الحدود وانتهاك السيادة الوطنية لسورية منذ أكثر من عقد.


الجدير بالذكر، منذ يومين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الثلاثاء، قراراً يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من منطقة الجولان السورية باعتبار احتلالها وضمها إلى المنطقة "عملاً غير قانوني وانتهاك صارخ للسيادة الوطنية". وقد صوتت 123 دولة لمشروع القرار المطروح من مصر، فيما عارضته 7 دول في مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة في حين امتنعت 41 دولة عن التصويت.


ونصّ القرار المُعتمد على أن احتلال إسرائيل لمنطقة الجولان السورية وضمّها فعلياً يُعدّ عملاً غير قانوني، ويتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981. [2]


ولذلك إن أي غارة جوية إسرائيلية - بغض النظر عن المبررات الأمنية الملفقة - هي انتهاك صارخ للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والسيادة السورية هذه الأعمال لا شرعية لها في أي إطار قانوني، وهي ببساطة غزو لأراضي دولة مستقلة.


الطبيعة الإرهابية للهجمات الموجهة

إن تاريخ الكيان الإسرائيلي الحافل بالإرهاب الدولي و الذي مارسته خلال عقود من الزمن في فلسطين المحتلة ولبنان ومؤخرا في قطاع غزة لا يخفى على أحد. والمجازر المرتكبة بحق شعوب المنطقة العربية هي أكبر شاهد على إعتلاء إسرائيل صدارة الإرهاب ضد الشعوب، ولم يتغير الوضع كثيراً الآن بعد سقوط نظام الأسد واختراق الجيش الإسرائيلي الحدود السورية، فهي تقوم بين الفترة والأخرى بترهيب القرى في الجنوب السوري والجولان المحتل والبلدات التي سيطروا عليها في ريف القنيطرة ويقومون بالاعتداء على الأهالي والشبان المتواجدين في المنطقة ويعتقلونهم بحجج كاذبة على أنهم ينتمون لجماعات مسلحة متطرفة، وهذا مايؤكده الدكتور سمير التقي الباحث السياسي السوري في المجلس الأطلسي في واشنطن [3].


إن الاعتماد على الاغتيالات الجوية هو عملية ليست بجديدة ولكن تُعتبر حاليا بديلاً من الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة، و اختيار تل أبيب سياسة الاستهداف السري والضربات بعيدة المدى والقضاء على الأفراد والجماعات دون محاكمة؛ هو عملٌ إرهابي في طبيعته ويشبه سلوك الجماعات الإرهابية المنظمة.

اسرائيل تواجه المقاومة الشرعية والشعبية وتبرر عدوانها

لا يمكن لإسرائيل أن تتسامح مع وجود الجيش السوري أو أي شكل من أشكال القوة العسكرية المشروعة على حدودها الشمالية في سورية، خاصة بعد بسط دمشق كامل سيطرتها على معظم الجغرافيا السورية "عدا شرق الفرات". ولذلك تستخدم أساليب بعيدة المدى ودقيقة لتجنب الصراع المباشر والخسائر البشرية على الأرض. والظاهر أن هناك نموذج عملياتي هجين تقوده إسرائيل يجمع بين الضربات الدقيقة والغارات البرية المحدودة والسيطرة الإلكترونية والاستخبارات المستمرة، وفرض قواعد اشتباك مرنة. والهدف النهائي هو منع تشكّل هندسة أمنية جديدة في الجنوب السوري تسمح للإدارة السورية الجديدة أو للجماعات المحلية ببناء قدرة قتالية مستقرة تُغيّر معادلات التوازن على حدود الجولان[4].


إسرائيل تعرف جيداً أن المستقبل القريب سيحمل لها متاعب أمنية كثيرة في ظل تنامي شعور وطني شعبي في مقاومة الإحتلال، فهناك مجموعات المقاومة المحلية وهي منظومة أمنية شعبية تُحدد قراراتها اعتبارات المجتمع المحلي المباشرة وليس حسابات جيوسياسية؛ وهذا يعقد التخطيط الإسرائيلي، لأن العمليات الإسرائيلية قد تؤدي إلى انتفاضات محلية متسلسلة أو تعبئة جماهيرية أو انتقام مجتمعي، خاصة عندما يسقط مدنيون جراء الغارات ولكن هذا الأمر يبقى متعلقاً بطبيعة العلاقات السياسية للدولة مع المجتمع الدولي وكيفية تطبيق القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة في الإنسحاب الكامل من الأراضي السورية، بالطبع تتخذ السلطة الحالية سياسة الصبر والانتظار وعدم الانجرار وراء الاحداث والتطورات الحاصلة حتى لاتكون في مواجهة صلبة مع الكيان الإسرائيلي وتضع بين يديه ذريعة التوسع والاحتلال المستمر وتصعيد الموقف عسكرياً وأمنياً.


وفي ذات السياق يحاول الإعلام الإسرائيلي تطبيع عدوان تل أبيب من خلال اختلاق روايات أمنية - مثل "منع تهديد" أو "منع نشر قوات" - بينما جوهر الأمر هو التعدي غير القانوني على الأراضي السورية، ولاشك أن الأيام القادمة تحمل لنا الكثير من المفاجأت لأن مايحدث من صراعات في جنوب سورية يوضع على صفيح ساخن لايلبث أن يبرد حتى يعود ليثور من جديد على خلفية أي حدث يعتبر كشرارة تعود لتشعل الأوساط السياسة والحدود مرة أخرى .




محمد يزن الحمادي


[1] https://2h.ae/Ckdwv

[2] https://2h.ae/bOfTB

[3] https://youtu.be/MwjF5PX16uU?si=uJBf3NstYTb06FRA

[4] https://2h.ae/DHHit

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال