المضائق والممرات البحرية الطبيعية والجزر هي مواقع جغرافية هامة لها تأثيرها على القوة الوطنية والسياسة الخارجية للدول وكذلك في الاستراتيجيات العسكرية لها. ويعتبر مضيق هرمز وجزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى مناطق مهمة واستراتيجية في الشرق الأوسط وتخضع لسيطرة إيران على أسس السيادة التاريخية.
منذ بداية قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م، كانت الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، نظراً لأهميتها الاستراتيجية في منطقة الخليج العربي، دائماً موضع صراع بين هذه الدولة مع إيران. وأثرت على العلاقات بين البلدين، وبهذا السياق كررت دولة الإمارات العربية المتحدة مطالبتها بهذه الجزر الثلاث بين الحين والآخر، بحيث أصبحت هذه القضية هي القضية الأساسية في العلاقات بين البلدين وحتى العلاقات بين إيران والدول العربية الأخرى. هذه الجزر الثلاث هي الآن تحت سيطرة إيران واستنادا إلى الحقائق التاريخية، فقد اعتبرت دائما جزءاً من الأراضي الإيرانية، لكن ادعاءات دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمات مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، ومؤخراً تصريحات السلطات الروسية في هذا الشأن، تثير بعض المواقف في السياسة الخارجية الإيرانية.
في السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية، تعتبر مسألة استقلال الدول وسلامة أراضيها مسألة غير قابلة للتفاوض ولا يجوز المساس بها. هذه السلامة الإقليمية يمكن أن تكون في أوكرانيا أو الجزر الثلاث أو دول أخرى، أينما كانت السلامة الإقليمية لدولة ما في خطر، فإن إيران ضدها، كما أن للرأي العام داخل إيران موقف مهم جدًا أيضًا حول مسألة السلامة الإقليمية لهم وسيقدمون كل الدعم بما يخص هذه المسألة.
الإمارات تسعى للحصول على دعم دولي
في قضية الجزر الثلاث، تبحث الإمارات عن الوساطة الصينية للاستفادة من القدرات الدولية. وذلك لأن الإمارات تعلم أن إيران لن تتنازل أبداً عن هذه الادعاءات ولن تناقش ذلك مع الجانب الإماراتي في أي منتدى. ولهذا السبب تحاول أبو ظبي الاسفادة من امكانات مجلس الأمن في هذه القضية.
أي أن الإمارات تحاول أن يكون لها سياق أدبي دبلوماسي، وهنا تقوم بتقديم نموذج حل عن طريق طرح مقدمة تاريخية مزيفة. إن خلافات إيران وعلاقتها المتوترة مع الأعضاء الغربيين الثلاثة في مجلس الأمن، وهم الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا، تتزايد باستمرار، وتتطلع الإمارات الآن إلى استخدام قدرة العضوين الدائمين الآخرين في مجلس الأمن الذين لديهم حق النقض الفيتو، وهما الصين وروسيا. لأنه لا يمكن استخدام واستغلال مجلس الأمن بدون ان تكون الصين وروسيا مؤيدة لهذه القضية. لذلك قضية الجزر الثلاث، أخذت مسار التداول مع الصين وروسيا في السنوات الأخيرة.[1]
عندما تتوصل دول العالم وخاصة القوى العظمى إلى توافق وتتخذ موقفاً بشأن قضية معينة، على سبيل المثال، عندما يتوصل الصينيون إلى توافق مع الدول العربية في الخليج العربي أو يتوصل الروس إلى توافق مع الدول العربية حول الموقف الخاطئ لدولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الجزر الإيرانية الثلاث، يمكن أن يعني شيئاً آخر. وخاصة تكرار هذا الموقف الذي يوضح أن هيمنة روسيا وبوتين ليس فقط ليس لها حدود؛ بل هي عميقة جدًا ومتجذرة. وبالمناسبة، هذا هو الموقف الذي أظهرت فيه موسكو، من خلال دعم الإدعاء الكاذب للإمارات مرتين، أنها مستعدة لقبول المسؤولية والعواقب المترتبة على طرح هذا الادعاء المزيف للإمارات. لأنها من ناحية تعتبر الحفاظ على العلاقات مع الإمارات في غاية الأهمية بالنسبة لها، ومن ناحية أخرى، لا تعطي أي أهمية لردود فعل طهران.[2]
الإمارات العربية المتحدة هي الشريك الرئيسي لروسيا
جعلت العقوبات الأمريكية والأوروبية على النفط الروسي من الإمارات العربية المتحدة وجهة التصدير الأولى للكرملين، حيث يقوم قادة الدولة الخليجية الآن بشراء أو تكرير النفط بأسعار مخفضة وهي تجارة لا تتعارض عادة مع العقوبات الغربية.
ويعتقد كثيرون خطأً أن الإماراتيين نأوا بأنفسهم عن الولايات المتحدة، ولهذا السبب اتجهوا نحو روسيا، في حين تشير الأدلة إلى أن الإمارات زادت علاقاتها مع روسيا بضوء أخضر من واشنطن. وفي الواقع فإن الفوائد التي تحصل عليها أبو ظبي من العلاقات مع موسكو ودعم الولايات المتحدة، أدت إلى زيادة العلاقات بين هذين البلدين.
وبعد الحرب في أوكرانيا، قال المسؤولون والمستشارون الأمريكيون سراً إنهم لن يمنعوا تجارة النفط الروسية مع الإمارات العربية المتحدة. وبطبيعة الحال، ما دام الطرفان يلتزمان بسقف الأسعار الذي حددته الدول الغنية السبع، والذي يهدف إلى خفض دخل الكرملين أيضاً. وقد حظرت الولايات المتحدة وأوروبا استيراد الذهب الروسي، لكننا رأينا أن كل هذه العقوبات لم تؤثر على تعاملات الإمارات في هذا المجال. كانت أبوظبي تعتبر جنة الشرق الأوسط خلال الربيع العربي وحتى في الظروف التي أحدث فيها فيروس كورونا حالة الطوارئ في جميع أنحاء العالم. واليوم تنتقل ثروة روسيا تدريجياً إلى هذا البلد العربي. دبي التي كانت لفترة طويلة مركزاً للذهب في العالم، وهي الآن تتبادل الذهب الروسي بكميات كبيرة. وقد أدى هذا الإجراء إلى نقل مركز ثقل صناعة وتجارة النفط من أوروبا وجنيف إلى دبي.
كما أن غزو الروس للإمارات قد جذب انتباه البنوك بين البلدين وقد شجع بنك دبي الوطني وهو البنك الرئيسي المملوك للدولة في دبي، المصرفيين من المؤسسات المالية الروسية على إنشاء وحدة مخصصة لإدارة أموال الأثرياء الروس. وفي الوقت نفسه، فتحت البنوك المحلية آلاف الحسابات للروس. وقال مسؤولون إماراتيون أيضًا إن البنوك المحلية تتجنب التعامل مع الأشخاص الخاضعين للعقوبات حتى لا تتوتر علاقاتها مع البنوك الأمريكية التي تقوم بتسوية التعاملات بعملة الدولار الأمريكي.[3]
كما تبحث روسيا عن مصالحها الوطنية من العلاقات مع الإمارات، أي في ظروف الحرب والحصار التي تواجه فيها روسيا تحديات كثيرة، لذلك و وفقا لبوتين فإن الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في العالم العربي هو دولة الإمارات العربية المتحدة.
لذلك، عندما تدعم روسيا الادعاء الكاذب لدولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الجزر الإيرانية الثلاث، ليس مرة واحدة بل مرتين، مرة في مجلس التعاون الخليجي ومرة أخرى في اجتماع المغرب، في العام الماضي، فإن هناك بالتأكيد عواقب قانونية ورسالة خاصة: بإنها تسعى إلى استخدام الدبلوماسية لصالح إيران وضد الإمارات العربية المتحدة.[4]
حاولت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخلال تلك المرتين إبلاغهم بهذا الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته روسيا عبر الطريق الدبلوماسية، لكن يبدو أنه لابد من أن تحسم بشكل قاطع ادعاءاتهم الكاذبة فيما يتعلق بمسألة الجزر الثلاث، و جعل علاقة إيران مع روسيا على أساس العمل من أجل المصلحة الوطنية و تنبيه روسيا بالمثل من خلال الضغط عليها بما يخص البلقان، وخاصة حقوق البشر في البوسنة.
وأخيرا، ينبغي القول أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعتبر واحدة من ولايات الولايات الأمريكية. وفي ما يخص علاقات هذا البلد مع روسيا، من الواضح أيضًا أن الإمارات لم تتخل عن شراكتها الطويلة الأمد مع أمريكا والغرب، وزادت علاقاتها مع روسيا بإذنهم وضوء أخضر منهم لأن الإماراتيين أثبتوا أنهم يتصرفون دائما بما يتماشى مع مصالحهم ومصالح أسيادهم الغربيين، ويجب على موسكو أن تكون حذرة من سياسات أبو ظبي المزدوجة قبل الإدلاء بأي تعليق وخاصة بما يتعلق بسيادة الأراضي الإيرانية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال