بينما يقترب العالم حالياً أكثر من أي وقت مضى من حرب كبيرة أخرى، تسعى الدول المختلفة لتعزيز قدراتها العسكرية وتزداد الأهمية الموجهة لشركات تصنيع الأسلحة. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا وبعدها الحرب في غزة واحتمال نشوب حرب إقليمية في الشرق الأوسط، زادت رغبة الدول في تأمين أسلحة متنوعة مما أدى إلى زيادة الطلب على شركات تصنيع الأسلحة وزيادة إيراداتها وقيمة أسهمها وذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من صعوبات وتحديات كبيرة.
أمريكا هي الرابحة!
تشير الزيادة الهائلة في قيمة سبع شركات كبرى لتصنيع الأسلحة في أمريكا منذ بداية الحرب في أوكرانيا وحتى اليوم، إلى أهمية هذه الصناعة ومكانتها في الولايات المتحدة.[1] ويبدو أن صناعة الأسلحة يمكن أن تكون بمفردها أحد الأسباب الرئيسية للنمو الاقتصادي في أمريكا خلال هذين العامين. لقد زادت قيمة سوق سبع عمالقة للصناعات العسكرية الأمريكية مثل لوكهيد مارتن، وهانيول إنترناشيونال، ونورثروب غرومان، وغيرها، بأكثر من 500 مليار دولار خلال هذين العامين.[2] وهذا الأمر يدل بوضوح على مدى ربحية الحرب للاقتصاد الأمريكي. في الواقع تمكنت الولايات المتحدة خلال هذين العامين من تحقيق إيرادات ضخمة من تجارة الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك فإن مكانة القيادة التي يحتلها الناتو بالنسبة لأمريكا، وإلزام أعضائها بدفع حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي لتغطية النفقات الدفاعية يمكن أن تعود بالنفع على صناعة الأسلحة الأمريكية وتساهم في ديناميكية اقتصاد هذا البلد.
الآن يتضح بشكل أفضل أن أمريكا تمكنت من استغلال الأزمة في أوكرانيا لصالح اقتصادها والحفاظ على مسار نموها الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك تُعرف الولايات المتحدة الآن أكثر من أي وقت مضى كشريك استراتيجي في الشؤون العسكرية والدفاعية للدول حول العالم، وخاصة في أوروبا ويمكنها الاستمرار في فرض هيمنتها التكنولوجية والعسكرية في العديد من مناطق هذا الكوكب.
لذا، قد لا تكون الولايات المتحدة حالياً متحمسة لإنهاء الحرب لأن العوائد تفوق الخسائر بالنسبة لها. لقد تمكنت من إدارة الحرب والابتعاد عن الصراع المباشر مع روسيا مما أبعدها عن العديد من الأضرار.
ماهو الوضع في أوروبا؟
تتمتع شركات تصنيع الأسلحة في أوروبا بوضع جيد خلال فترة الحرب في أوكرانيا، ورغم أن قيمة سوق الأسهم لديها تبلغ تقريبًا نصف تلك الخاصة بالولايات المتحدة، أي أكثر من 200 مليار دولار،[3] إلا أنها أيضًا في حالة جيدة. في هذا السياق تتمتع فرنسا وبريطانيا والنرويج وإيطاليا بظروف أفضل، حيث تلقت شركات تصنيع الأسلحة فيها طلبات جيدة أدت إلى تحقيق إيرادات كبيرة لها. كما يمكن فهم جهود أوروبا لاستغلال الموارد المالية المختلفة لتأمين الأسلحة لأوكرانيا بشكل أفضل من خلال إدراك هذه الدورة المالية الواسعة. يبدو أن الضحية الكبرى في هذه العمليات كلها هي أوكرانيا وشعبها، إلى جانب سكان المناطق المتضررة من الحرب في روسيا، الذين يتعين عليهم دفع ثمن الطموحات والأرباح الاقتصادية لشركات تصنيع الأسلحة بأرواحهم وأموالهم، وفي النهاية يكونون تحت رحمة الحكومات الكبرى التي دعمتهم.
في الواقع، استفادت القوى الأوروبية أيضًا من هذه الحرب في مجالات متعددة. حيث تعتبر صناعة الأسلحة واحدة من هذه المجالات، ولقد كانت فرصة قيمة للقوى الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا للبقاء كقوى رائدة في أوروبا. إن الطلب على الأسلحة مع تجميد أصول روسيا في أوروبا يعد إجراءً مفيدًا تمامًا للدول المنتجة للأسلحة، حيث تمكنت هذه الدول من تعويض جزء من خسائرها المالية دون تكبد تكاليف كبيرة، بل وحتى إعادة إحياء اقتصادها.
لذا يبدو أن الحرب تحمل جانبًا مربحًا، حيث تكون الدول الغنية والمزدهرة هي الفائزة الرئيسية. لقد تمكنت هذه الدول بفضل امتلاكها لتقنيات متنوعة ومتطورة، من تلبية احتياجات الدول المتورطة في الحرب، وفي الوقت نفسه، بينما تدعي تقديم مساعدات متنوعة تحقق فوائد اقتصادية واسعة. إن هذه الربحية كبيرة لدرجة أنه يمكن القول إن العالم الذي يشهد الحرب ويقترب من الانفجار هو بمثابة جنة لشركات تصنيع الأسلحة. كما يبدو أن تجارة الحرب أصبحت ضرورة لاستمرار النمو الاقتصادي في بعض الدول، وإذا انتهت هذه الضرورة يمكن أن نأمل في نهاية الحرب أيضًا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال