اعترف الحرس الثوري الإيراني رسميًّا اليوم الأحد بوقوفه خلف الهُجوم الذي استهدف مراكز استراتيجيّة لجهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي (الموساد) في مدينة أربيل الكرديّة في شِمال العِراق، وقال بيان صادر عنه إن هذا الهُجوم تمّ بإطلاق 12 صاروخًا باليستيًّا دقيقًا من الأراضي الإيرانيّة.
هذه الصّواريخ في رأينا لم تُدمّر مقر الموساد الإسرائيلي في أربيل فقط، وإنّما دمّرت المُفاوضات النوويّة مع الدّول السّت الكُبرى في فيينا، وأعلنت وفاة الجولة الخامسة من المُفاوضات مع المملكة العربيّة السعوديّة يوم الأربعاء المُقبل في بغداد، احتجاجًا على إعدام 81 شخصًا مُعظمهم من الشيعة في المنطقة الشرقيّة، والأهم من كُل ذلك بدء مرحلة تَشَدُّد إيرانيّة جديدة على جبهات عديدة أبرزها الجبهة الإسرائيليّة، تليها الجبهة اليمنيّة، وأخيرًا الأوكرانيّة.
حُكومة أربيل وحتى تغطّي نفسها وتَستُر عورتها، قالت إن الصّواريخ استهدفت المبنى الجديد للقنصليّة الأمريكيّة، والمنطقة السكنيّة المُجاورة لها في مُحاولةٍ للتّشكيك والتنصّل من الرواية الإيرانيّة التي تُؤكّد وجود مركز للموساد في عاصمتها، وهذا أمْرٌ مُتوقّع، لأنّه مركز سرّي، مِثل كُل المراكز الاستخباريّة الأُخرى، و”الموساد” على رأسها، ومن الطّبيعي أن تُقام في منطقةٍ سكنيّة، وأن لا يُرفَع العلم الإسرائيلي على صاريتها.
***
التطوّر الأهم في اعتِقادنا أن الحرس الثوري توعّد بالرّد على مقتل شهيدين إيرانيين في هُجومٍ إسرائيليّ على جنوب دِمشق فجر يوم الاثنين الماضي، وها هو يفي بالوعد ويَرُد في أقل من أسبوع، ويأخُذ بثأر عناصره، ويَرُد على كُل الذين كانوا يُعايرونه بعدم الرّد، ويُهَدِّد مجددًا “أن تكرار الاعتِداءات الإسرائيليّة على عناصره سيُقابل بردٍّ قاسٍ، وحاسِمٍ، ومُدمّر”، ممّا يعني أن كُل غارة إسرائيليّة تستهدف أهدافًا إيرانيّة في سورية لن تَمُر دون “ردٍّ سريع” و”دفن” مقولة “الرّد في المكان والزّمان المُناسبين وطيّها إلى غيرِ رجعةٍ”.
هذه الصّواريخ رسالةٌ قويّة ليس لإسرائيل فقط، وإنّما لراعيتها الامريكيّة أيضًا، فالصّواريخ الـ12 قصفت القنصليّة الأمريكيّة الجديدة أيضًا، إذا صحّت الرواية الرسميّة لحُكومة أربيل، وهي القنصليّة التي يُراد لها أن تكون بديلًا للسّفارة الأمريكيّة في بغداد بعد أن أصبحت غير أمنة، وباتت تحت رحمة صواريخ فصائل الحشد الشعبي، ولسان حال صواريخ الحرس الثوري، يقول سنُطاردكم، ونَصِل إليكُم في كُلّ مكانٍ تهربون إليه.
اليوم يَرُد الحرس الثوري على استِشهاد عناصره بقصف الموساد في أربيل، ومن غير المُستبعد أن تكون هذه بداية مرحلة استراتيجيّة انتقاميّة جديدة عِمادها قصف أهداف إسرائيليّة داخِل فِلسطين المُحتلّة، وبشَكلٍ مُباشر، أو في أيّ مكانٍ آخَر في العالم، بشَكلٍ غير مُباشر، أو من خِلال أذرع المُقاومة الضّاربة.
دولة الاحتِلال الإسرائيلي على وعي بهذا التغيير ولهذا أخذت التهديدات الإيرانيّة بالانتِقام للشّهيدين الإيرانيين على محمل الجد، وأعلنت حالة الاستِعداد القُصوى في الجبهة الشماليّة، تَحَسُّبًا لقِيام “حزب الله” بالرّد، ولكن الحرس الثوري قرّر ضرب إسرائيل في العصَب الحسّاس في مدينة أربيل بصواريخه ولم يُكلّف أحدًا بالإنابة عنه، وهذا تطوّرٌ خطير في قواعد الاشتِباك الجديدة يجب أن يُؤخَذ في عين الاعتِبار.
أعداء ايران تساءلوا: لماذا لا تَرُد إيران في هضبة الجولان، وهذا تساؤل منطقي وفي محلّه، ويُمكن الرّد عليه بسُؤالٍ آخَر، لماذا لم تقتل الغارات الإسرائيليّة عناصر الحرس الثوري إلا في سورية وليس في طِهران، أو حتّى في العِراق؟
***
نعم العِراق تحوّل إلى ساحة حرب بين إيران من ناحية، وإسرائيل من ناحيةٍ أُخرى، ولكن من الذي يقف خلف هذا التحوّل؟ أليس الاحتلال الأمريكي للعِراق الذي جاء لمصلحةٍ إسرائيليّة بالدّرجة الأولى، وطمأنةً لمخاوف تل أبيب من القوّة العراقيّة؟ ثم ماذا يفعل جهاز الموساد الإسرائيلي في شِمال العراق؟ ألم يتم رفع العلم الإسرائيلي أثناء استِفتاء الاستِقلال الشّهير؟ ألم يرقص الصهيوني الفرنسي برنارد هنري ليفي، عرّاب ما يُسَمّى بثورات الربيع العربي مع المُحتفلين بهذا الاستِفتاء ونتائجه التي تُكرّس الانفِصال؟
العصر الأمريكي يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، وحرب أمريكا في أوكرانيا قد تكون الأخيرة، وعلى حُلفاء أمريكا وعُملاء إسرائيل في المِنطقة العربيّة أن يتحسّسوا رؤوسهم فالقادم أعظم.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال