بعد 7 سنوات، لم يعد التحالف السعودي يملك قراراً بوقف الحرب على اليمن، بل إنَّ القرار بيد أميركا وحدها.
دعوة إيرانيّة لوقف الحرب على اليمن أطلقها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لكلٍّ من السعودية والإمارات في ختام المؤتمر الوطني حول إيران ودول الجوار، ودعا فيها الدولتين إلى اتباع نهج سياسي بنّاء لإنهاء الحصار اللإنساني في اليمن، وإنهاء الحرب، وقبول وقف إطلاق النار، وإطلاق حوار يمني- يمني.
تعدّ المبادرة مهمّة من حيث التوقيت والمضمون، ويمكن البناء عليها في حال توفّرت الإرادة والنيات الصادقة بالاستجابة لوقف نزيف الدم اليمني المستمر بفعل الجرائم التي ارتكبها طيران التحالف السعودي في الحديدة مؤخراً، والتي أودت بحياة أكثر من 70 شهيداً، وما زالت تستمرّ وتتصاعد بشكل متسارع.
موقف إيراني آخر يصبّ في الاتجاه ذاته، جاء على لسان المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده قبل أيام، أكَّد فيه أنَّ طهران مستعدة لدعم الحلول الدبلوماسية، باعتبارها الحل الوحيد للأزمة اليمنية.
الصراع في اليمن انتقل إلى شكل مختلف من البر إلى البحر، بعد إعلان قوات “أنصار الله” مؤخراً احتجاز سفينة إماراتية مقابل ميناء الحُديدة على ساحل البحر الأحمر، تحمل معدات وآليات وأجهزة عسكرية تستخدم في الاعتداء على اليمن.
والمشهد على جبهة اليمن بعد الجريمة الأخيرة التي اقترفها طيران التحالف بحق اليمنيين في محافظة الحديدة، يكاد يشهد مزيداً من التعقيد، بعد أن وصل أسلوب المواجهة إلى العمقين السعودي والإماراتي. في المقابل، أعلن التحالف السعودي إطلاق عملية عسكرية لاستهداف ما أسماها “أهدافاً مشروعة داخل اليمن”.
كلّ هذه التطورات ترسم مآلات غير محمودة تجاه أزمةٍ طال حلّها، وهي مستمرة منذ 7 سنوات، ويعاني فيها اليمني حصاراً وعدواناً سعودياً إماراتياً مستمرين من دون بصيص أمل قريب لإنهائهما، وهو ما يطرح تساؤلاً مهماً: هل تلقى الدعوة الإيرانية آذاناً صاغية أو طريقاً للتنفيذ تضمن وقف الجرائم وإنهاء الحصار على اليمن والكفّ عن التدخل في الشأن اليمني أو أنّ القرار يعدّ خارج دوائر صنع القرار السعودي الإماراتي؟
الحرص الإيراني الكبير على حلّ أزمة اليمن ليس موقفاً جديداً. ولو عدنا إلى الوراء قليلاً، لوجدنا أن الدعوة الإيرانية التي جاءت على لسان وزير الخارجية لم تكن جديدة أو الأولى من نوعها، فقد أطلقت إيران سابقاً مبادرة منذ نشوب الأزمة اليمنية (أي قبل 7 سنوات)، دعت فيها الأطراف إلى وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات للشعب اليمني، وإطلاق حوار يمني – يمني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يمنيّة، والكفّ عن التدخّلات الخارجية.
فشلت السّعودية في ما وعدت به أميركا قبل 7 سنوات، بأن تقوم بحسم المعركة عسكرياً في اليمن خلال 3 أسابيع. ومع استمرار حرب الاستنزاف الدائرة، تأتي الدعوة الإيرانية لتعكس مسؤوليةً كبيرةً وإدراكاً تاماً بأنّ الحلّ العسكريّ لن يشكّل مخرجاً لما يجري من صراع في اليمن، وأن لا بديل عن الحلّ السياسيّ وفق رؤية متكاملة، بعيداً عن الاشتراطات التي أطلقتها السعودية مؤخّراً بضمان استمرار سيطرتها على المطارات والموانئ اليمنية.
إطلاق التحالف السعودي عملية عسكرية عنوانها استهداف أهداف مشروعة في اليمن بلا خطوط حمراء، يؤكد بما لا يدع مجال للشكّ أنَّ التحالف السعودي لا يلتزم بالقانون الدولي الإنساني وقواعد الاشتباك التي نصَّت عليها كل الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف بهذا الشأن خلال المواجهات العسكرية الدائرة، وأنَّ استمرار عدوان التحالف بهذه الدموية والبشاعة يثبت أنّ السّعودية، ومن خلفها الإمارات، لا تريدان الانصياع إلى أي مبادرات سياسية قائمة على إنهاء الحصار ووقف العدوان، وأن الهدف الحقيقي من استمرار الخيار العسكري هو كسر إرادة الشعب اليمني وإيجاد أو فرض حكومة يمنية ذات ولاء كامل لكلتا الدولتين وإقصاء أحد مكونات الشعب اليمني.
اشتداد حدة الصراع وارتفاع وتيرة التهديدات وردود الأفعال الكبيرة التي لاقتها المواجهة العسكرية المتبادلة مؤخراً، تعني كلها أنَّ الصّراع خرج إلى الإطار الإقليمي والدولي، وهو ما يجعل سيناريو الحسم والتدخّل من قبل قوى إقليمية لها تأثير قوي وفاعل لضمان إنهاء الأزمة حاضراً، لكنَّ مثل هذا السيناريو لن يكتب له النجاح ما لم يكن على قاعدة أن الحلّ يكمن في الالتزام الكامل بمبادرة متكاملة غير مجتزأة، خالية من لغة الاشتراطات، ويكون أساسها وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن.
بعد 7 سنوات، لم يعد التحالف السعودي يملك قراراً بوقف الحرب على اليمن، بل إنَّ القرار بيد أميركا وحدها، بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به في تحقيق الوعود التي أطلقتها. من جهة أخرى، من المعروف أنّ القرار في دول الخليج ليس حراً، وليس في يد الأنظمة الخليجيّة، وإنما في يد أميركا وحدها، والشواهد كثيرة على ذلك. ويوم تتحرَّر دول الخليج من قبضة الإمبريالية الأميركية والصهيونية، يمكن القول إنَّ هناك حلاً عربياً مستقلاً خالياً من القيود الأميركيّة. وبناء عليه، يُسجّل التحالف السعودي على مدار 7 سنوات أنه ليس سوى أداة لزعزعة الأمن في المنطقة العربية، خدمةً لمصالح أميركا و”إسرائيل”.
استمرار العدوان بهذا الشّكل هو تدمير ممنهج من قبل تحالف عربي لليمن، ولن يأتي بنتيجة، ومفتاح الأزمة واضح، عنوانه عدم تدخّل السعودية والإمارات في الشأن الداخلي اليمني، لكنْ بات واضحاً أنَّ العدوان على اليمن ليس استهدافاً لقوات “أنصار الله”، إنما هو استهداف لتراث اليمن العربي الإسلامي وحضارته، وهذا يعد بحدّ ذاته بمثابة تقديم خدمات مجانية لكلٍّ من أميركا و”إسرائيل” وفق رغباتهما وغاياتهما وأهدافهما.
تريد إيران من مبادرتها عظمة اليمن وشرفه وأمنه واستقراره ووحدته، ونصوص المبادرة واضحة، وهي لا تعكس أيّ تدخل إيراني، كما تزعم السعودية والإمارات، والحلّ يكمن في رفع يد التحالف السعودي عن اليمن، وهو الذي دمَّر الأخضر واليابس، وقتل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ بطائراته بحجج وذرائع واهية، مفادها أنه يقصف مواقع عسكرية لـ”أنصار الله”. في المقابل، باتت صور ومشاهد مجزرة الحديدة الأخيرة خيرَ دليل وشاهداً على سفك دماء الأبرياء والإمعان في فرض واقع يراد منه الهيمنة السعودية على اليمن، ولو كان الثمن قتل الأبرياء، تحقيقاً لمشاريع مدعومة أميركياً.
شرحبيل الغريب
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال