تواجه التغييرات السياسية الحالية مثل غياب حكومة مستقرة وموحدة وإجراء انتخابات مبكرة متكررة والهجمات على قطاع غزة والضفة الغربية، بالإضافة إلى التشديدات المتزايدة على الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى، تحديات عديدة أدت إلى تفاقم الأزمات لدى الكيان الإسرائيلي والتي تفاقمت أكثر بعد حرب 7 أكتوبر. وقد أدى ذلك إلى استمرار انخفاض التفاؤل بشأن قدرة المجتمع الصهيوني على التعافي من هذه الأزمات والنمو، حيث عبّر 55% من الناس عن هذا التفاؤل فيما يتعلق بإحساس الأمان الشخصي، وأشار فقط 24% إلى وجود شعور بالأمان، وهي نسبة تتوزع بين 26% من اليهود و9% من العرب.
نتيجةً لحرب غزة وارتفاع النفقات العسكرية للنظام الإسرائيلي، كان من بين الوزارات التي تم خفض ميزانيتها لعام 2024 وزارة الرفاه. ومن المتوقع أن تتفاقم حالة المجتمع الذي تغطيه هذه الوزارة. كما تواجه الحكومة الإسرائيلية تحديات أساسية تجعل الحياة صعبة على سكان الأراضي المحتلة وسنستعرض بعضاً من هذه التحديات فيما يلي.
نقص الأطباء في الأراضي المحتلة
بلغ معدل الأطباء في الأراضي المحتلة في عام 2020 نحو 3.3 طبيب لكل 1000 نسمة، وهو أقل بقليل من متوسط الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)))، الذي بلغ 3.7 طبيب لكل 1000 نسمة. واستمر هذا الانخفاض حيث خلق نقص الأطباء في بعض المجالات تنافساً شديداً بين الأطباء للالتحاق بالمراكز التخصصية، مما يشكل ضرراً للمناطق المحيطة والمهمشة. ونتيجةً لذلك تنشأ طوابير طويلة وأوقات انتظار طويلة للمرضى.
وفقًا لما ذكره كُتّاب هذا التقرير فإن أزمة نقص الأطباء في مجال الصحة النفسية أصبحت واضحة الآن، ومن المتوقع أن تتكرر هذه الحالة في المجالات التخصصية الأخرى.
على عكس الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة و المملكة المتحدة و كندا و فرنسا و أستراليا وبلجيكا، لا تمتلك وزارة الصحة في النظام الإسرائيلي آلية مهنية للتخطيط الاستراتيجي في مجال الكوادر الطبية، مما يمنعها من وضع خطة متعددة السنوات تتناسب مع احتياجات السكان.
تفتقر وزارة الصحة الإسرائيلية إلى معلومات شاملة عن الآلاف من الأطباء الذين يعيشون خارج الأراضي المحتلة. كما تقدر وزارة الصحة أن نحو 3700 طبيب بقيوا خارج البلاد بعد تخرجهم في عام 2022. ولا تتوفر لدى الوزارة أي إحصاءات حول الأطباء الذين هاجروا إلى الخارج أيضاً. [1]
أزمة الغذاء في الأراضي المحتلة
في سياق حرب غزة ازداد هدر المواد الغذائية نتيجة لعدم الوصول إلى المناطق الزراعية ونقص قوة العمل، مما أثر على عرض المنتجات الزراعية وزاد من أسعار الفواكه والخضروات. كل هذه العوامل أضعفت قدرة الناس على شراء واستهلاك غذاء صحي وأمنهم الغذائي.
تبلغ إجمالي تكلفة هدر المواد الغذائية للاقتصاد الإسرائيلي في الأشهر الستة الأولى من الحرب تقريبًا مليار شيكل. تشمل هذه التكلفة: تكلفة فقدان المواد الغذائية، والتكلفة البيئية، وتكاليف القضايا الصحية والعلاجية نتيجة للاستهلاك الأقل للأغذية الصحية وتأثيرات سلبية على صحة المواطنين.
في الأراضي المحتلة، يوجد أكثر من 2.5 مليون دونم من الأراضي الزراعية لزراعة الخضروات والفواكه والمحاصيل الزراعية. أكثر من 30% من الأراضي الزراعية في الأراضي المحتلة تقع في مناطق الخطوط الأمامية للحرب شمالاً وجنوباً، بحيث يوجد حوالي 22% في المنطقة المحيطة بقطاع غزة و10% أخرى على الحدود الشمالية، حيث أن 7% منها تقع في الجليل و3% في الجولان.
بعد الحرب انخفضت قوة العمالة إلى حوالي 40% من (العمال الأجانب والفلسطينيين) في القطاع الزراعي. نتيجةً لذلك زادت نسبة فساد المواد الغذائية في القطاع الزراعي إلى 22% مقارنة بـ9% قبل الحرب. كما تسببت الحرب في فقدان 15 ألف طن من المحاصيل الزراعية في الأشهر الستة الأولى من الحرب، تقدر قيمتها بحوالي 670 مليون شيكل. وبحسب هذا التقرير أدت آثار نقص المنتجات الزراعية إلى زيادة أسعار الخضار بنسبة 14% وأسعار الفواكه بنسبة 8%.[2]
عدم إعادة فتح المدارس في المناطق الشمالية في العام الجديد
عُقدت جلسة وزارة التربية والتعليم مع الهيئات المحلية في المناطق الشمالية لمناقشة وضع إقامة الدروس في العام الدراسي الذي يبدأ في منتصف سبتمبر. في هذه الجلس أعلن وزير التربية والتعليم الإسرائيلي أن العام الدراسي الجديد لن يبدأ في المستوطنات التي تم إخلاؤها و ربما لا مفر من القرار بشأن الحرب الواسعة ضد لبنان.
منذ 7 أكتوبر واجهت السلطات المحلية في الشمال وفي المستوطنات الواقعة على طول خط النزاع تحديات عديدة في ظل الحرب، بما في ذلك تحديات تتعلق بالتعليم. في هذا السياق وجدوا مبررات لاستمرار انخفاض التسجيل في العام الدراسي بمعدل لا يقل عن 25% في المؤسسات التعليمية في الشمال.[3]
التفرقة في مجال الصحة
استنادًا إلى بيانات مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، التي حصل عليها موقع "واي نت" و"يديعوت أحرونوت" يشير هذا التقرير إلى 175 ألف مواطن من أصل إثيوبي تجاهلتهم وزارة الصحة الإسرائيلية لسنوات من خلال عدم توفير المعلومات والخدمات الطبية لهم. نتيجة لذلك فإن معدل الوفيات والانتحار بين هذه المجموعة من اليهود مرتفع جدًا.
على مر السنين كانت هناك مبادرات متعددة لتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية بين الإثيوبيين وزيادة الوعي حول الفحوصات التشخيصية وأسلوب الحياة الصحي إلا أن البيانات تشير إلى فشل شبه كامل لهذه البرامج.
تشمل الأسباب الرئيسية للوفاة بين الإثيوبيين مقارنة ببقية السكان أمراض الأوعية الدموية الدماغية، والأمراض المعدية، والسكري، والالتهاب الرئوي. من ناحية أخرى فإن معدل الوفيات الناجم عن الأورام السرطانية أعلى بين السكان العامين. في الواقع تشير هذه البيانات إلى أن اليهود الإثيوبيين يعانون من نقص كبير في الوصول إلى أبسط الرعاية الطبية مما يجعلهم يموتون بسبب السكري والأمراض المعدية.
في عام 2021 كان عدد حالات الانتحار في هذه المجموعة 16.1 حالة انتحار لكل 1000 شخص مقارنة بـ 4.2 حالة بين بقية المجموعات السكانية. وهذا يعني أن الإثيوبيين ينتحرون تقريبًا بمعدل أربعة أضعاف أكثر. يُظهر هذا التقرير وجود تمييز هيكلي في مجالات الصحة والتوظيف والخدمات الاجتماعية بين الإثيوبيين وبقية المجموعات اليهودية.
بشكل عام يجب أن نقول إن الأزمات الداخلية للنظام التي تمت الإشارة إلى بعضها أدت إلى تزايد الاستياء واحتجاجات سكان الأراضي المحتلة. وقد اتجه العديد من سكان هذه الأراضي إلى مغادرتها ويحاولون تركها. وقد تفاقم هذا الاتجاه نتيجة لقرارات وإجراءات عدوانية من قادة النظام الإسرائيلي، مثل اغتيال إسماعيل هنية. بحيث يمكن التنبؤ بأنه إذا استمرت سياسات النظام الصهيوني وإجراءاته الإجرامية على هذا النحو، فسوف يفقد النظام الإسرائيلي دعم سكان الأراضي المحتلة مما يؤدي ببطء إلى اضمحلاله وانهياره من الداخل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال