مع ازدياد المواجهات بين الولايات المتحدة ودول عديدة في منطقتنا والخطط العدوانية التي أعدتها ونفذتها الإدارات الأميركية لاحتلال أفغانستان قبل أكثر من عشرين سنة، ثم احتلال العراق قبل عشرين سنة، وتهديد إيران وسورية خلال أكثر من عشرين سنة، أصبحت القوى والدول المستهدفة من واشنطن قادرة على معرفة معظم الطرق والوسائل التي يمكن لواشنطن استخدامها ضد هذه الدول، ومن أهم هذه الوسائل اللجوء إلى خطة غزو الجبهة الداخلية لدولة ما حين تصبح خطة غزوها بحرب خارجية لاحتلالها غير قابلة للنجاح ومحكومة بالفشل أو الهزيمة، وهذا تماماً ما قامت به واشنطن منذ عام 2011 ضد سورية وضد إيران بشكل خاص، إلى أن أحبط محور المقاومة وحلفاؤه هذه الخطة الأميركية وأهدافها وفرض في المنطقة واقعاً جديداً بدأت تتوافق وتتضامن فيه معظم الدول العربية والإسلامية مع بعضها البعض أمام نظر واشنطن وتل أبيب وخيبة أملهما الواضحة.
لكن هذا لا يعني أن واشنطن وتل أبيب قبلتا أو سوف تسلمّان بهذا الواقع الذي تتجه فيه دول المنطقة نحو بناء علاقات تحقق مصالح شعوبها من دون تدخل خارجي ومن دون إملاءات أميركية، لذلك يخطئ من يظن أن واشنطن لن تعدّ خطة، بل خططا، لتخريب هذا التوجه العربي الإسلامي وعرقلة سيره نحو استقرار إقليمي جديد.
ويبدو أنها توجهت نحو تحقيق هذا الهدف بتنسيق مع تل أبيب، فقد ذكر محرر الأخبار في مجلة «أنتي وور» الأميركية الإلكترونية ديف دي كامب في 17 أيار الجاري أن «الصحفي الإسرائيلي مراسل وكالة «آكسيوس» الأميركية في تل أبيب باراك رافيد، كشف في الـ 17 من أيار الجاري أن واشنطن أعدت خطة مشتركة مع إسرائيل تحت حجة الموضوع النووي الإيراني للقيام بعمل منسق ومشترك ضدها في المنطقة»، وهذا ما أشارت إليه وكالة «آكسيوس» حين ذكرت أن هذه الخطة «جرى الاتفاق عليها من رئيس أركان الجيوش الأميركية مايكل ميللي ووزير الدفاع لويد أوستين والمسؤول عن القيادة المركزية للقوات الأميركية «سينتكوم» في المنطقة الجنرال أريك كوريلا.
ويبدو أن أكثر ما سوف تستعين به واشنطن من تل أبيب هو العمل الاستخباراتي الذي تريد واشنطن الاستفادة منه لتحقيق هدفين هما:
1- تخريب الجبهة الداخلية الإيرانية عن طريق مجموعات إرهابية سرية محلية أو عابرة للحدود.
2- محاولة زرع بذور الشقاق وافتعال الأزمات بين دول المنطقة وإيران لعرقلة مسيرة العلاقات ومنع ترسخها بين هذه الدول،
وهذا يعني بموجب ما ذكر دي كامب على لسان مسؤول أميركي أن هذه الخطة: «لا تعني القيام بعملية عسكرية مشتركة أميركية إسرائيلية لضرب المشروع النووي»، وفي هذه الحال ستركز الخطة على عمليات مشتركة سرية تستهدف الداخل الإيراني وعلاقات كل دولة بإيران، لأن واشنطن تدرك أن المنطقة ليست معدة لتدخل عسكري أميركي مباشر بسبب عدم الجدوى منه، في حين إن العمليات السرية هي الخيار البديل لتحقيق الأهداف الأميركية نفسها، ولا شك أن اللجوء لمثل هذه الخطة لم يأت في هذا التوقيت من فراغ، بل كان نتيجة مباشرة للانفراج الذي فتحت الصين بواباته في رعايتها للاتفاق بين الرياض وطهران وبين الرياض ودمشق، فقد شكل هذا التطور الإستراتيجي في العلاقات بين أهم دول المنطقة سداً منيعاً وضربة قاصمة لمخطط تل أبيب الهادف لاستغلال أزمة العلاقات بين الرياض وطهران ودمشق، لفرض جدول عمل إسرائيل التوسعي وبناء شرق أوسط جديد تستهدف فيه مصالح كل شعوب المنطقة ودولها، فمع عودة العلاقات والتضامن والتوافق بين جميع الدول العربية في المنطقة تمكنت الرياض وطهران ودمشق من تدمير أخطر مشروع إسرائيلي وتبديد أوهامه.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال