بين مفاهيم الزعامة والدور الإقليمي، يبدو واضحاً ومن خلال قراءة العلاقات الإماراتية ـ السعودية، أنّ ثمة خلافاً تدور عناوينه بين الاستراتيجية الجديدة، والسياسة الإقليمية المرتبطة بالضرورة والمصالح، وهنا لا نتحدّث فقط عن بوادر الخلاف انطلاقاً من الساحة اليمنية، ومحاولة كلّ من الرياض وأبو ظبي، دعم الأفرقاء في اليمن، بل ثمة وقائع تؤكد أنّ الكباش السعودي ـ الإماراتي، تدور رحاه على رقعة الشرق الأوسط كاملاً، وكـ عرب لا نتمنى أن تتصاعد حدة تلك الخلافات، الأمر الذي من شأنه انعكاس تلك الخلافات على دول المنطقة.
استشعار حالة الخلاف بين أيّ بلدين، ربما في ناحية من النواحي، تعكسها وسائل الإعلام، والملاحظ أنّ غالبية كُتاب الإمارات، ومثلهم الكُتاب السعوديين، وحتى القنوات في البلدين، عكست ما يمكن تسميته بالخلاف على زعامة المنطقة، فالسعودية ورغم الأنباء التي تتحدث عن تطبيع قريب مع «إسرائيل»، إلا أنّ السعوديين دائماً ما يهاجمون الإمارات، لانتهاجها التقارب مع «إسرائيل»، تحت عناوين دعم الفلسطينيين، وفي المقابل، فإنّ الإمارتيين أيضاً لم يوفروا جهداً في انتقاد السعودية، لدورها في الصراعات الإقليمية، فضلاً عن تأجيج الأوضاع في لبنان واليمن وحتى العراق، وأيضاً عن دور السعودية بدعم الإرهاب في سورية، بحسب توصيفات الإمارتيين.
في العمق، يبدو واضحاً أنّ الصراع السعودي ـ الإماراتي، تنطلق محدّداته من سياسات السعودية الجديدة في المنطقة، والمرتكزة على مناخ التسويات، وتذليل صعوبات الاستقرار، الأمر الذي سيكون سبباً في تعاظم الدور السعودي، لا سيما أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يتخذ خطوات جادة ومتسارعة، في إنشاء شبكة علاقات جديدة مع إيران وسورية، الأمر الذي تترجمه أبو ظبي تهديداً لنفوذها الإقليمي، لا سيما بعد خطوة التطبيع مع «إسرائيل»، وأدوراها المشبوهة في المستويات السياسية والإقتصادية والأمنية، في غالبية الملفات الإقليمية والدولية.
محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، كلاهما يحمل ملفات متعدّدة تتعلق بعموم الشرق الأوسط، لكن ومن خلال التعمّق، فإنّ الرجلين لا يتوافقان في غالبية التفاصيل الإقليمية، وعلى سبيل المثال، فإنّ الإتفاق السعودي الإيراني الأخير، أغاظ الإمارات، في وقت تُعمّق به أبو ظبي علاقاتها مع تل أبيب، ولا يمكن أن ننكر قدرة السعودية الجديدة، في التأثير على قرارات الدول، وربما كان جُلّ التحركات الإماراتية في المنطقة وحتى التطبيع مع «إسرائيل»، كانت عناوين سعودية، لكن خشية تقمّص الإمارات دوراً أكبر منها، وجد محمد بن سلمان، ضرورات إيقاف الإمارات عند ما وصلت إليه.
ترجمة حالة الخلاف السعودي ـ الإماراتي، عكسه غياب محمد بن زايد، عن القمة العربية التي عُقدت في جدة السعودية قبل أيام، في هذا السياق، ذكرت صحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن غياب ابن زايد عن القمّة العربية في جدة، لم يكن سوى أحد التعبيرات الصارخة عن عمق التأزّم في العلاقة مع ابن سلمان، والذي لم يعُد ممكناً إخفاؤه، أو العودة به إلى الخلف. ولفتت الصحيفة إلى أنّ استمرار تأزم العلاقة يمكن أن يؤثر على المدى الطويل على دور الإمارات ومكانتها بصورة سلبية جدّاً، ما يضع ابن زايد أمام خيار الاستسلام لابن سلمان أو المواجهة.
حقيقة الأمر، نخشى ما نخشاه من تفاقم الصراع السعودي ـ الإماراتي، على زعامة الشرق الأوسط، ولعلّ قمة جدة الأخيرة، والتي كانت في شكل من الأشكال، هي طي صفحة الخلافات العربية، والبدايات الإقليمية الجديدة، إذ يبدو واضحاً أنّ السعودية ونهجها التوافقي الجديد، سيُشكل لها دعامة وركيزة أساسية، لزعامة العالم الإسلامي، وحسناً فعلت السعودية بمنع تطبيعها مع «إسرائيل»، رغم الأنباء القوية التي تتحدث عن تطبيع قريب، ورغم الضغوط الأميركية في هذا الإطار، إلا أنّ وزن السعودية الإقليمي، ودورها الفاعل والمؤثر في المنطقة، وانفتاحها على إيران وسورية، كلّ ذلك سيجعل من السعودية نقطة تحوّل إقليمي، وسيكون لـ سورية وإيران، دور بارز في المعادلات الإقليمية الجديدة.
المصدر: البناء
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال