منذ أن بدأت جماعة أنصار الله اليمنية الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على السفن التجارية احتجاجًا على الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، انخفض مستوى التجارة البحرية في البحر الأحمر بشكل كبير. منذ 19 تشرين الثاني/نوفمبر، وقع ما لا يقل عن 30 هجومًا على السفن في البحر الأحمر، 13 منها كانت هجمات مباشرة بطائرات بدون طيار أو هجمات صاروخية. وبحسب وسائل إعلام غربية، فإن الهجمات الأمريكية والبريطانية على المواقع العسكرية لأنصار الله، والتي بدأت في 20 يناير الماضي، دمرت ترسانة اليمنيين، لكن هجماتهم لم تتوقف أو حتى لم تتراجع حتى الآن. والحقيقة أن الهجمات الأميركية والبريطانية على اليمن، وسط موجة الغضب من ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة، زادت من هيبة أنصار الله داخل اليمن والمنطقة.
وعلى الجانب الاقتصادي، صدمت هجمات أنصار الله الاقتصاد العالمي إلى حد أن شركات الشحن أصبحت تغير مسار سفن الحاويات الخاصة بها وتتجنب دخول البحر الأحمر. وحذر مسؤول كبير في الأمم المتحدة الشهر الماضي من أن التجارة البحرية عبر قناة السويس المصرية وهو الممر المائي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، انخفضت خلال الشهرين الماضيين بنسبة 42 في المائة.[1]
القوة السياسية الأقوى في اليمن والأكثر تأثيرا في المنطقة
لذلك فمن الواضح للجميع أن أنصار الله كان لهم قوة مؤثرة في الحرب بين حماس وإسرائيل. أهم مصدر لقوة أنصار الله؛ هو القبول والرضى العام للشعب اليمني، وبهذا الدعم استطاعت أنصار الله أن تصبح أقوى قوة سياسية في اليمن والآن أصبحت قوة إقليمية مؤثرة لم تتزحزح عن مواقفها الداعمة للفلسطينيين رغم تهديدات الولايات المتحدة وإنجلترا ودول أوروبية أخرى.
وفي السنوات الأخيرة، حاول بعض المحللين، لأسباب سياسية، تقديم أنصار الله على أنهم مجموعة ميليشيا صغيرة تفتقر إلى الدعم والمكانة الشعبية والاجتماعية من خلال الترويج لوجهة نظر غير واقعية. في حين أن من أهم عوامل نجاحات وانتصارات أنصار الله هي القاعدة الشعبية والمكانة الرفيعة التي حظيت بها هذه الحركة بين أبناء الشعب اليمني، ويعتبر هذا المكون في الأساس أحد العناصر الأساسية والحاسمة في بقاء واستمرارية أنصار الله خلال هذه الفترة. وقد لعبت هذه الحركة دورا حاسما في التطورات التي شهدتها اليمن.
ولطالما صرحت أنصار الله في شعاراتها بأن هذه الحركة لا تسعى إلى السلطة والهيمنة على سيادة اليمن، بل تحاول متابعة مطالب الشعب اليمني في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية وغيرها، وهذا العامل هو الذي أكسبها ثقة الشعب ومحبة الناس لهم في اليمن.
ومن السمات البارزة لحركة أنصار الله أن هذه الحركة لا تنحصر ضمن أطر التفكير العرقي القبلي الضيقة. ولم تسعى أنصار الله قط إلى خلق شرخ في المجتمع اليمني، ولم تصنف الشعب بمقاييس عشائرية وقبلية، بل اعتبرت دائما الوحدة والشمولية لإدراج مثلها وأهدافها في شعاراتها.
ومن السمات المهمة الأخرى لأنصار الله، والتي جعلت الحركة شعبية ومعروفة، هي صدق أنصار الله في نهجه السياسي واستخدام الأساليب السلمية في متابعة وتحقيق مطالب الشعب اليمني.[2]
رسالة وهدف أنصار الله في مواجهة النظام الصهيوني والغرب
ولم يقتصر أنصار الله قط على بيان رسالتهم وأهدافهم ومثلهم العليا على المستوى الوطني، لكن هذه الحركة تمكنت دائما من إقامة اتصال ناجح بين القضايا الداخلية لليمن والعالم العربي والإسلامي. وهذه الحركة، كحركة إسلامية، هي من الحركات العربية واليمنية القليلة التي كانت دائما وقبل اقتحام الأقصى، هي التي تدين العدوان الإسرائيلي، ولم تفقد أبدا موقفها الداعم والمساند للأمة الفلسطينية. اعتبر عبد الملك الحوثي زعيم أنصار الله في اليمن أن أساس حل مشاكل اليمن يعتمد على حل المشكلة الفلسطينية، ولا تكاد تجد له خطابا بهذا السياق إلا ويؤكد من خلاله على حقوق اليمنيين بالتوازي مع انتهاك حقوق الأمة الفلسطينية من قبل الصهاينة.[3]
وقد وضعوا سياستهم الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط لصالح النواة وحركات المقاومة في المنطقة والمعارضة للكيان الصهيوني وأمريكا. وعملياً، لعبت هذه الحركة دوراً لا غنى عنه في تغيير مواقف ومعتقدات وقيم المجتمع اليمني تجاه أمريكا والصهيونية. ومن أهم المبادئ الأساسية للفكر السياسي لدى حسين الحوثي هو إعلان معارضته لأمريكا وسياساتها القمعية في الشرق الأوسط واليمن. وكان هذا الموقف دائمًا في مقدمة خطط أنصار الله .
ومع هذه التفسيرات، يبدو أن عمليات أنصار الله اليمنية ضد السفن والأهداف الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر ستستمر في دعم قضية فلسطين، ولن تتراجع هذه الحركة بأي حال من الأحوال عن مواقفها بشأن الحرب بين حماس وإسرائيل. وهي قضية يفهمها الأميركيون جيداً. ويمكن ملاحظة ذلك جيدا في التصريحات الأخيرة لأحد قادة البحرية الأمريكية، حيث يقول الأدميرال براد كوبر : "إن المعركة ضد اليمنيين في البحر الأحمر هي أكبر معركة بحرية تواجهها أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية وأعتقد أنه لكي نجد ما يشبه هذه الحرب علينا أن نعود إلى الحرب العالمية الثانية، عندما كانت السفن تشارك في القتال". [4]
حکیمة زعیم باشي
1. https://foreignpolicy.com/2024/02/08/yemen-houthi-iran-weapons-intelligence-report/
2. مسعود اخوان کاظمی و حامد شاهملکی/ مؤلفههای مقاومت در فرهنگ سیاسی جنبش انصارالله یمن/ مطالعات سیاسی جهان اسلام.
3. احمد دغشی /تبارشناسی حوثیها /دوهفته نامه پگاه حوزه.
4. https://www.isna.ir/news/1402113021308
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال