شيئاً فشيئاً، تتقارب العلاقات العربية مع دمشق، حيث قدمت عدد من الدول العربية دعمها لسوريا في أعقاب الزلزالين اللذين ضربا أجزاء من البلاد في 6 فبراير، وهذه الخطوات تمثل محاولة حقيقية من قبل تلك الدول لإعادة بناء العلاقات مع الدولة التي مزقتها الحرب، حيث إن دول الشرق الأوسط تركز الآن على إعادة بناء اقتصاداتها بعد سنوات من الصراع والفوضى التي خلفتها القوى الخارجية، بما في ذلك فشل المعارضة في سوريا في تقديم بديل قابل للتطبيق لحكومة الرئيس بشار الأسد.، وباعتبار أن القوى الخارجية خلقت الكثير من الفوضى في الشرق الأوسط، تحاول دول الشرق الأوسط في فضائها الخاص بوسائلها الخاصة بناء اقتصاداتها، وقد نُقل على نطاق واسع عن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قوله إن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا "لم يكن مجديًا" وأن الحوار مع دمشق كان ضروريًا في مرحلة ما على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين.
بعد الزلزال الأخير، حتى الدول العربية التي كان لها علاقات صعبة مع سوريا في السابق ترى الآن في ذلك فرصة لتحسين العلاقات، ومن الأمثلة على ذلك اجتماع وزير الخارجية المصري مع الرئیس بشار الأسد في دمشق والذي كسر جليد العلاقات بزياراته إلى سوريا يوم 27 فبراير، وهي أول زيارة يقوم بها دبلوماسي مصري رفيع إلى البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل 12 عامًا، ونقل شكري خلال لقائهما رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد فيها دعم بلاده لسوريا واستعدادها لتعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين، مشدّداً على أن بلاده تعتبر العلاقة السورية - المصرية ركيزة أساسية لحماية الدول العربية، وذلك بعد أن انقطعت العلاقات بين سوريا ومصر لفترة وجيزة خلال حكم الإخوان المسلمين آنذاك برئاسة محمد مرسي، وأعادت مصر فتح سفارتها في سوريا عام 2013، بعد أن أطاح الجيش بمرسي من السلطة، لكن العلاقة بين البلدين لم تكن على ما يرام.
وكان قد اجتمع كبار المشرعين العرب في سوريا يوم الأحد لإجراء محادثات مع الرئيس بشار الأسد لإعادة بلاده إلى الحضن العربي، وتأتي الزيارة بعد قمة مصغرة في بغداد أكدت نية الجامعة العربية عودة سوريا إلى المنظمة، وشكل الوفد نوابا من تسع دول عربية، إضافة إلى ممثلين فلسطينيين، ما يعكس استمرارًا في ذوبان الجليد في العلاقات مع الرئيس الأسد، الذي ظل لأكثر من عقد من الزمان معزولًا عن معظم المنطقة نتيجة الضغط الأمريكي والإسرائيلي، حيث تم تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في عام 2011 بعد أن شن الغرب وحلفاؤه في الشرق الأوسط حربًا مدمرة على سوريا، وأودى الصراع بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشرد نصف سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليونا.
وكان أول من وصل إلى العاصمة السورية دمشق رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي، وهو أكبر مسؤول مصري يزور سوريا منذ أكثر من عقد، وقال الجبالي للصحفيين بعد وصوله إلى دمشق إن الوفد العربي "يزور سوريا الشقيقة لدعم الشعب السوري" بعد الزلزال، واستشهد بالبيان المشترك الصادر عن اجتماع بغداد حول ضرورة بدء عملية "اعادة سوريا إلى الحضن العربي"، مضيفاً: "من الطبيعي أن تعود سوريا كما كانت بإذن الله، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً"، وترأس الوفد رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي من بين العديد من القادة العرب الذين كانوا يطالبون بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فيما صدر عن اجتماع الاتحاد البرلماني العربي، السبت، في العاصمة العراقية بغداد، ضرورة تحرك الدول العربية لإعادة العلاقات مع سوريا، وقد تكثفت العملية في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص.
مصر والمملكة العربية السعودية من بين حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الذين قدموا مساعدات من الزلزال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، والإمارات العربية المتحدة أرسلت طائرات محملة بالمساعدات أكثر من الدول العربية الأخرى، وفي مؤتمر ميونيخ الأمني التاسع والخمسين في ألمانيا ، هذا الشهر ، أقر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بأن العالم العربي بحاجة إلى نهج جديد تجاه سوريا، ونُقل عنه على نطاق واسع قوله إن الإجماع يتنامى في العالم العربي على أن عزل سوريا "لم يكن مجديًا" وأن الحوار مع دمشق ضروري في وقت ما لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين على الأقل.
كذلك، في كانون الثاني/ يناير بالتقى الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتيّ بالأسد، مؤكدا التزام الإمارات وحرصها على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن الأسد زار عمان في أعقاب الزلزال والتقى بالسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، وحسب ما ورد ناقش الجانبان العلاقات الأخوية ومجالات التعاون المشترك ، واتفقا على تعزيز التعاون الثنائي في مختلف القطاعات.
في النهاية، يتحول الشرق الأوسط إلى منطقة تتشكل من خلال الدبلوماسية الإقليمية وليس التطورات الدولية، وإن تواصل الدول العربية مع الرئيس بشار الأسد جزء من ذلك، على الرغم من مساعي بعض الدول العربية المحدودة، لكنها ضرورية للغاية وكسرت جليد العلاقات، حيث كان هناك جهود سابقة للوصول إلى الحكومة السورية حتى قبل دبلوماسية الكارثة، لكن بما أن "الولايات المتحدة لا تزال ضد الأسد" ، فقد حد ذلك من المشاركة بشكل كبير، وإلى اليوم لا نعلم ما مدى قدرة أمريكا على فرض رأيها في المنطقة التي اختارت إعادة سوريا والتي ما تزال بعض الفصائل المختلفة تسيطر على أجزائها الغربية بالتعاومن مع تركيا، فيما يخضع الجزء الشمالي الشرقي منها لسيطرة الأمريكيين وبعض القيادات الكردية.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال