الديكتاتورية العالمية للولايات المتحدة، على الجميع تطبيق القانون ولكن نحن لا!
مفهوم "الاستثنائية الأمريكية" ليس ظاهرة جديدة بل يعود إلى زمن تأسيس الولايات المتحدة. حيث يعتقد الأمريكيون بقوة أن بلادهم استثناء من القاعدة العامة للعالم وأن هذا الواقع لن يتغير في المستقبل.
الاعتقاد العام في أمريكا هو أن أرضهم ليست فقط أفضل دولة وأكثرها حرية وأغنى وأقوى دولة في العالم ولكن أمريكا هي عالم آخر أكثر سعادة ومحصنة وآمنة من كل الكوارث والحروب التي تحدث في البلدان الأخرى.
استنادا إلى مبدأ الاستثنائية الأمريكية، فإن الولايات المتحدة متميزة ومثالية مقارنة بالدول الأخرى. يجادل مؤيدو هذه النظرية بأن القيم والنظام السياسي والتطور التاريخي للولايات المتحدة فريدة من نوعها في تاريخ البشرية لذلك يحق لأمريكا أن تلعب دورا متميزا ومختلفا عن أي دولة آخرى على المسرح العالمي.
وفقا لهذه النظرية ، ينشئ الأمريكيون منظمات ومؤسسات وقوانين دولية بالتفاعل مع الدول الأخرى ، وهم أنفسهم ينتهكون هذه القوانين ويتجاهلون المنظمات الدولية وقتما يريدون ، لكنهم يتوقعون من الدول الأخرى أن تحترم دائما هذه المنظمات والقوانين (التي تخضع لنفوذ أمريكي واسع النطاق) ؛ وإلا فإنهم يواجهون ضغوطا أمريكية بما في ذلك العقوبات وحتى الهجمات العسكرية ، وهو ما يمكن أن يسمى ديكتاتورية أمريكا العالمية.
في أحدث مثال على الديكتاتورية الأمريكية ، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون في 4 يونيو ، والذي من شأنه أن يعاقب المحكمة الجنائية الدولية على قرارها بإصدار مذكرة اعتقال للمسؤولين الإسرائيليين بشأن حرب غزة.
ويفرض القانون عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية الذين شاركوا في إصدار أوامر مقاضاة لمواطنين أمريكيين وحلفاء للولايات المتحدة ، بما في ذلك إسرائيل.
كما يحظر مشروع القرار على السلطات دخول الولايات المتحدة ، وتعلق أي منح تأشيرات لهم وتحد من معاملات الأصول في الولايات المتحدة.
بينما حكمت المحكمة ضد دول أخرى ، بما في ذلك منافسين أمريكيين مثل روسيا ، دعمتها الولايات المتحدة وأجبرت دولا أخرى على تنفيذ هذه الأحكام. الشيء المثير للاهتمام هو أن الولايات المتحدة ليست عضوا في هذه المحكمة ولا تعتبر نفسها ملزمة بإنفاذ قوانينها.
هذا مجرد مثال واحد على المعايير المزدوجة الأمريكية والديكتاتورية العالمية ودليل على أن سياسة البلاد مليئة بالسلوك المتناقض والمرتزق منذ إنشائها.
ينتقد الأمريكيون باستمرار احتجاز وسجن الأشخاص في مختلف البلدان بينما يغضوا الطرف عن سجونهم الممتلئة بوجود 1.767.000 سجين حيث يوجد في الولايات المتحدة أكبر عدد من السجناء في جميع أنحاء العالم ، حتى أكثر من أولئك الموجودين في البلدان المكتظة بالسكان مثل الهند والصين. تشتهر البلاد أيضا بارتفاع معدل الحبس حيث يوجد ما يقرب من 629 سجينا لكل 100000 شخص وهي النسبة الأعلى في العالم.
تحاول الولايات المتحدة أيضا إقامة دكتاتورية عالمية في المجال الرقمي. مستفيدة من حقيقة أن الداعم الرئيسي لسيادة الإنترنت يقع في الدول الغربية، تسعى واشنطن إلى إقامة ديكتاتورية رقمية عالمية، أي على حساب كل الحكومات لتعميم سيادتها في المجال الرقمي.
على سبيل المثال، في المواقع الغربية يتم نشر محتوى يتضمن كره الأجانب والعنصرية والقومية وكراهية روسيا بشكل كبير وهو ما لا ينتبه إليه مديروها. في الوقت نفسه يحظرون بلا رحمة قنوات وحسابات وسائل الإعلام والمستخدمين العاديين الذين يبثون وجهة نظر مختلفة عن وجهة النظر الغربية.
يتم انتقاد الولايات المتحدة لإصدارها بيانات دعم السلام واحترام السيادة الوطنية للدول الأخرى من ناحية ، ولكن من ناحية أخرى تبرر الأعمال العسكرية ضد دول أخرى مثل غزو أفغانستان والعراق وسورية واليمن وما إلى ذلك ...
تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات كثيرة لدعمها التجارة الحرة ، لكنها من ناحية أخرى ، تعطي الأولوية للصناعات المحلية من خلال وضع تعريفات جمركية على واردات السلع الأجنبية مثل الأخشاب والمنتجات الزراعية.
كما تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات لرفضها التصديق على معاهدة حقوق الطفل في الأمم المتحدة بينما تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
تعلن الولايات المتحدة علنا أنها تعارض التعذيب ، ولكن من وقت لآخر يتم الكشف عن وثائق وأدلة التعذيب في الداخل والخارج.
تتحدث الولايات المتحدة عن احترام السيادة الوطنية للدول الأخرى ، ولكن يتم دعم حركات حرب العصابات المحلية والمنظمات شبه العسكرية ، مثل الكونترا في نيكاراغوا والمتمردين في سورية و .... كما دعمت الولايات المتحدة استقلال كوسوفو من جانب واحد، لكنها أدانت في الوقت نفسه الاستقلال من جانب واحد في بلدان ومناطق أخرى مثل أبخاز وأوسيتيا الجنوبية مشيرة إلى السلامة الإقليمية.
ويعرب هذا البلد عن قلقه إزاء إنتاج المخدرات في بلدان مثل بوليفيا وفنزويلا، لكنه لا يولي اهتماما للخطط الموضوعة والمساعدة الثنائية لحل هذه القضايا.
كما تحتج الولايات المتحدة وتدين انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، لكنها تدعم انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية. تدعم الدكتاتورييين في البلدان الأخرى في حالة سعيهم للإطاحة بديمقراطياتهم المعارضة. كما تشكك في البرنامج النووي السلمي لإيران، في حين أنها الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية في الحرب ولديها حاليا 5113 رأسا نوويا في مستودعاتها الحربية. كما إنها تغادر خطة العمل الشاملة المشتركة ولا تفي بالتزاماتها، وفي مقابل هذه التصرفات تقول أنه على إيران الوفاء بالتزاماتها.
بشكل عام، لابد من القول أن عالم الأمريكيين أحادي القطب بدأ بالتغيير، والقوى العالمية المختلفة تظهر قوتها ورغبتها بتوافق الجميع للوقوف في وجه الديكتاتورية العالمية للولايات المتحدة. وذلك سيجبر الأمريكيون عاجلا أم آجلا على التعامل مع الظروف الجديدة ونسيان الماضي بتقبل فكرة وجود دول أخرى استثنائية غيرها.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال