في نهاية العقد السابع من القرن الماضي، كان الاستكبار العالمي، بشقيه الغربي والشرقي، المتمثلين بأمريكا والاتحاد السوفيتي السابق، كان قد بسط هيمنته على العالم، معتقدا ان التاريخ وصل الى نهايته، بعد ان سلم مقاليد حركته للقوى التي كانت تعتبر نفسها فوق حركة التاريخ، لاسيما بعد غزو الاتحاد السوفيتي لافغانستان، وبعد اخراج مصر من معادلة الصراع مع الكيان الاسرائيلي، من خلال اتفاقية كامب ديفيد، وبالتالي شطب القضية الفلسطينية من ذاكرة العرب والمسلمين واحرار العالم.
كان يعتقد الاستكبار ان العرب والمسلمين، دخلوا بذلك في سبات عميق، بعد اخراج اقوى دولة عربية من الصراع مع الكيان الاسرائيلي، وما ترتب عن ذلك من تداعيات خطيرة على معنويات الشعوب العربية والاسلامية، التي كانت ترى في مصر، الامل الاوحد لمواجهة العدوا الاسرائيلي وتحرير فلسطن. وبعد غزو بلد مسلم، يمتاز شعبه بالانفة والعزة والكبرياء وشدة الشكيمة، وهو افغانستان، والذي كان بمثابة رسالة الى الشعوب الاخرى، مفادها ان لا عاصم لها امام القوة العسكريية الغربية والشرقية.
الاستكبار، بشقه الغربي، كان يعتقد ان النظام الليبرالي الغربي هو نهاية التاريخ، وليس امام الشعوب الاخرى من خيار الا الانضواء تحت لواء هذا النظام، وإلا لن يكون لها من دور في حركة التاريخ، بل ستكون خارج التاريخ.
الاستكبار بشقه الشرقي، كان يعتقد ان النظام الماركسي، هو نهاية حركة التاريخ، وليس امام الشعوب الاخرى، الا التنكر لتراثها ودينها وثقافتها، والانصهار في النظام الشيوعي العالمي الالحادي، الذي لا اثر فيه للدين ولا للروحيات ولا لإي بعد روحي.
وعلى صعيد منطقة الشرق الاوسط، كانت مخططات امريكا تجري على قدم وساق، من اجل نشر اليأس والاحباط بين الشعوب العربية والاسلامية، عبر فرض انظمة رجعية تدور في الفلك الامريكي، واسقاط الانظمة الوطنية عبر الانقلابات العسكرية، لدفع هذه الشعوب للاستسلام واليأس والاحباط، في مقابل ان تسود “اسرائيل” على المنطقة ، وتستفرد بالشعب الفلسطيني، الذي عزلته المخططات الامريكية عن محيطه العربي المُحبط.
رجل، تمر هذه الايام ذكرى رحيله الـ32، رفض هذا الواقع برمته، ورفض الليبرالية الغربية ، والماركسية الشرقية، وقال ان بإمكان المسلمين ان يُغرقوا “اسرائيل”، اذا ما سكب كل واحد منهم جردل ماء عليها، وانها سرطان يجب استئصاله، ووصف امريكا بانها الشيطان الاكبر، وارسل الى اخر رئيس في الاتحاد السوفيتي رساله تنبأ بها بإنهيار الاتحاد السوفيتي، ودعا الشعوب الى التسلح بالاسلام، فهو امضى سلاح، يمكن ان يرفعه الانسان المسلم في وجوه كل هذه القوى.
رجل تمر هذه الايام ذكرى رحيله، دعا الامة الى ان تتمرد على واقعها، فإنتفضت واذهلت بإنتفاضتها الغرب والشرق، فنفض المسلمون عن انفسهم غبار اليأس والاحباط والقنوط والاستسلام، فتحولت افغانستان الى مقبرة للجيشين السوفيتي والامريكي، ورفض لبنان ان يكون قوته في ضعفه، فهزمت مقاومته المتمثلة بحزب الله، الجيش “الاسرائيلي” “الذي لا يقهر”، وفرض الفلسطينيون المحاصرون انفسهم كقوة تحسب”اسرائيل” لهم الف حساب، بعد ان امطرتها صواريخ مقاومتهم، واذلوها في اكثر من منازلة، وهذ اليمن عاد وبقوة لا توصف، ليتحول الى مقبرة للغزاة كما كان، ويذل الملوك والامراء والطغاة، ومن يدعمهم من امريكيين وصهاينة، حتى باتوا يتوسلون اهله، من أجل ان يحفظوا كرامتهم ، التي تلطخت بوحل اليمن، وهذا العراق، حيث يحاول الجيش الامريكي ان يجد له مكانا آمنا في ربوعه فلا يجده، ويعد الايام للهروب.
رجل تمر هذه الايام ذكرى رحيله، انطلق بنهضته الكبرى التي غيرت وجه المنطقة برمتها، من ايران، التي كانت قاعدة لامريكا و”اسرائيل”، فجعلها قاعدة للاسلام والمسلمين، قاعدة للرفض ومقارعة الاستكبار العالمي، وفي مقدمته الاستكبار الامريكي، قاعدة لنصرة مستضعفي العالم، فتحولت الى قوة تهابها امريكا، التي دكت صواريخ رجاله أكبر قاعدة لها في العراق دون ان تتجرأ على الرد.
هذا الرجل الالهي، الذي نفخ في جسد الامة روح الله، والذي تمر هذه الايام ذكرى رحيله، ليس سوى الامام روح الله الموسوي الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، رجل دخل التاريخ من اوسع ابوابه، وكتب بحروف من نور، ان نهاية التاريخ، سيكتبها رجال الله حصرا، “انه وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ”.. “وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ” .
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال