الرقابة الشديدة على أخبار خسائر كيان الاحتلال الإسرائيلي
في الأيام الماضية أصبح أهم خبر يُنشر في وسائل الإعلام التابعة لنظام الاحتلال الإسرائيلي، هو مايتعلق بزيادة خسائر جيش الاحتلال من الأفراد والعتاد، رغم كل الرقابة الشديدة الموجودة على محطات الإعلام، وخاصةً تلك الاخبار الخاصة بالجبهة الشمالية. تصف وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الأخبار بـ "الصعبة" نظرًا لتداعياتها الواسعة على الجبهات الداخلية لهذا النظام في المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية، ولهذا السبب تمتلك وحدة الرقابة العسكرية سيطرة كاملة على نوع المحتوى المُنشر في أوقات الحرب.
تعتبرُ "الرقابة العسكرية" واحدة من أهم أدوات التخفي التي يستخدمها نظام الاحتلال الإسرائيلي في زمن الحروب، والتي تُدار من قِبل قسم الاستخبارات العسكرية. حيث تتضمن هذه الرقابة التحكم وتقييد التغطية الإعلامية المحلية والمعلومات المُنشرة. وفقًا للتقارير التي نُشرت من قبل مؤسسات إسرائيلية مثل "حركة حرية المعلومات"، تُفعل الرقابة العسكرية خلال الحروب. لكن ما هي التداعيات التي قد تترتب على نشر أخبار الخسائر والفشل بالنسبة لهذا الكيان حتى يستخدم هذا القدر من أدوات الرقابة الشديدة؟[1]
لقد أعلن نظام الاحتلال الإسرائيلي بوضوح في أدبياته العسكرية أنه يُخفي خسائره الحربية، ويعتبر أن السبب وراء ذلك هو منع التأثير السلبي لهذه الأخبار على المجتمع ومعنويات الجيش. ونظرًا لأن إسرائيل ليست معتادة على خوض الحروب الطويلة، فهي عادة تميل نحو الحروب السريعة والضربات الخاطفة، لكنها الآن تجد نفسها هذه المرة في حرب استنزاف وحرب طويلة الأمد في غزة، ومن المحتمل أن يتكرر هذا الأمر في لبنان أيضًا. إن أخبار القتلى والجرحى الدائمة تصبح حقيقة مقلقة للجيش والمجتمع الإسرائيلي، وقبل كل ذلك لحكومة نتنياهو نفسها. إنهم يعتقدون أن الإبلاغ عن الخسائر البشرية والأضرار المادية قد يؤدي إلى مشاكل في تحقيق أهداف الحرب بسبب زيادة السخط العام. لذلك يستخدمون تكتيكات إعلامية لمنع خلق الفزع والغضب والاحتجاج في المجتمع.[2]
من بين التداعيات الأخرى لنشر أخبار خسائر نظام الاحتلال الإسرائيلي، هو تقليل اهتمام الشباب بالانضمام إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي. يسعى هذا النظام إلى منع الحقيقة لاستقطاب الشباب نحو الجيش من خلال الرقابة على الأخبار السلبية. بالإضافة إلى ذلك لدى نظام الاحتلال رغبةً شديدة في عرض صورة لجيش قوي قادر على حماية مواطنيه وتقليل خسائره إلى حدها الأدنى. ويرجع ذلك إلى زيادة الهجرة العكسية في أوقات الحروب، والتي تمثل تحديًا كبيرًا لجذب المهاجرين الجدد إلى هذا النظام.[3]
السبب الآخر وراء حجب الخسائر ونشر أخبارها، خاصةً في المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة، هو أن الحياة والاقتصاد في هذه الجبهة قد توقفت تمامًا. والمدن التي شهدت نزوح الإسرائيليين أصبحت مناطق مدمرة بالكامل، ومع توسع نطاق هجمات حزب الله، تزداد الأضرار والخسائر في الجبهة الشمالية للأراضي المحتلة؛ لكن النظام القائم يحاول تحسين معنويات المستوطنين الإسرائيليين هناك ويظهر أنه يحقق إنجازات عسكرية وسياسية لتصحيح الأوضاع.[4]
على الرغم من الجهود المبذولة من قِبل نظام الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الرأي العام وتداعيات زيادة الخسائر الحربية، خاصة في المناطق الشمالية، يمكن القول إن نشر الأخبار في هذا الصدد قد شهد زيادة ملحوظة خلال الأيام الأخيرة. وفي هذا السياق قالت خلود مصالحه، مدير المركز الإعلامي "إعلام" حول أسباب عدم نجاح الرقابة على حجب حقائق الحرب من قِبل نظام الاحتلال الإسرائيلي: "لقد لجأت إسرائيل منذ بداية الحرب إلى الكذب والخداع والتزوير".
وأشارت مصالحه في حديثها مع قناة الجزيرة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي نقطة الضعف لنظام الاحتلال في هذه الحرب الطويلة، حيث عملت بشكل أكثر تأثيرًا كـ "مرجع" مقارنةً بوسائل الإعلام التقليدية.[5]
خاتمة
إن الدول التي تكون في حالة حرب تسعى إلى الحفاظ على سريّة العمليات العسكرية وضمان فعالية الخداع وإخفاء أنواع الأسلحة المستخدمة في الحرب، والأهم من ذلك كلّه هو الخطط والأهداف، ولا تسمح لوسائل الإعلام بالعمل بحرية. ولم يكن نظام الاحتلال الإسرائيلي استثناءً من هذه القاعدة في حروبه السابقة، لكنه لم يكن صارمًا مثلما هو الحال اليوم. إن التخفي الذي يتبعه نظام الاحتلال بشأن الخسائر الحربية هو بهدف الحفاظ على كذبة "النصر" أمام المجتمع الداخلي. إن الخسائر الفادحة تجعل الناس يقارنون تكاليف الحرب بنتائجها، خاصة في حربي غزة ولبنان، حيث لا يزال خطر المقاومة قائما. ولذلك فإن إخفاء خسائر الحرب يتم من أجل خداع المجتمع المحلي ومنع انخفاض الروح المعنوية. هذه الأسباب تفسر جيدا سبب إخفاء النظام الصهيوني لنتائج هجمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، خاصة في الجبهة الشمالية حيث كثف حزب الله هجماته مؤخرا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال