السعودية تجمد ملف التطبيع 566

السعودية تجمد ملف التطبيع

منعطف مهم في الموقف السعودي فيما يتعلق بمسألة التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، اليوم السعودية تتقمص دور المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني والمنتقد بشدة لسلوكيات الاحتلال.

حيث أعرب ولي عهد السعودية محمد بن سلمان عن رفض بلاده تطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية، منددا في الوقت نفسه بـ"جرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني".

وكانت بوادر التقارب بين الجانبين لاحت في الأفق قبل نحو عام عندما صرح ولي العهد بأن التطبيع بين الرياض وتل أبيب "يقترب كل يوم أكثر فأكثر". كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حينها من على منبر الأمم المتحدة أن بلاده على "عتبة" إقامة علاقات مع السعودية.

وقال بن سلمان لدى افتتاحه أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى “تتصدر القضية الفلسطينية اهتمام بلادكم، ونجدد رفض المملكة وإدانتها الشديدة لجرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني”، مضيفا “لن تتوقف المملكة عن عملها الدؤوب، في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون ذلك

بات واضحاً أن السعودية اليوم تهدف للتسويق على أنها راعية السلام في المنطقة وهي المناصر للقضية الفلسطينية تسوّق نفسها على أنها واحدة من أهم القوى العربية والإسلامية، وبالتالي هي تضع نفسها في مقام المدافع عن مصالح هذه الجماعة. كيف، إذاً، تمدّ يدها إلى من لا يقوم فقط بهذه الجرائم ضد الإنسانية، بل يُدلي قادته أيضاً بتصريحات إباديّة، فضلاً عن رفض واضح ولا لبس فيه لحلّ الدولتين، والذي وضعه السعودية شرطاً لتطبيع العلاقات.

يجمع المحللون على أن "إسرائيل" استثناءً للسياسة الأميركية. فبعيداً عن الجانب العقائدي، تقوم "إسرائيل" بدور شرطي المنطقة بامتياز لمصلحة الولايات المتحدة، عبر تدمير كلّ الدول ذات المشاريع السياديّة أو ردعها. فـ "إسرائيل" هنا هي محور محاربة محور المقاومة في غربي آسيا، من أجل منع تحوّل هذا المحور إلى قوّة مهيمنة إقليمياً ومناهضة للولايات المتحدة.

لا يخف على أحد أن "إسرائيل" والسعودية وأغلبية دول الخليج الفارسي تنتمي إلى المحور الأميركي في منطقة غربي آسيا. وعلى الرغم من الاختراق الصيني القائم في الاستثمار الاقتصادي، فإن الهيمنة الأميركية الغربية على هذه الدول ما زالت هي الأساس.

تواجه السعودية اليوم صعوبة في تطبيع علاقاتها بالكيان الإسرائيلي نظراً إلى معارضة الشارع العربي المستمرة لمثل هذه الخطوة بل الاكثر من ذلك هو أنها ساهمت الإبادة في غزّة في إعادة إحياء القضية الفلسطينية عند جزء مهم من هذا الشارع.

المعروف عن السعودية تاريخيا أنها كانت تستمتع بمحاربة الدول المستقلة ذات الكيان والوجود المستقل والتي تدافع عن مهام أساسية منذ نشأتها، تحارب الدول الوطنية في مراكز القوّة التقليدية، مثل مصر عبد الناصر، أو قامت بالتعاون بداية مع نظام صدّام حسين في العراق، قبل التضحية به في غزو التحالف الأميركي في عام 1991.

وطبعا لا يمكننا أن ننسى كيف قامت بتمويل تدمير سوريا وصب الزيت على النار في الحرب المندلعة منذ عام 2011.

السعودية قوتها صراحة بما أن البعض يصنفها كقوة غير تقليدية، لا تمتلك إلا الأماكن المقدسة والثروة النفطية، وتستفيد بصورة أساسية من تحييد أماكن القوى التقليدية في المنطقة، التي تملك عدد سكان كبيراً. من دون وجود حماية أميركية مطلقة لدول الخليج الفارسي، ودور إسرائيلي عسكري في عملية التطويع، يكون دور السعودية ناقصاً أو غير قابل للتحقق.

المتمعن والمتمرس الجيد في تاريخ السياسة يعرف أن ما صرحت به السعوديه مؤخرا عن شرط حل الدولتين إنما ليس حباً للفلسطينيين، اشترطت حلّ الدولتين كأساس لعملية السلام والتطبيع وما أكد هذا الكلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي قام بفضح السعوديين عندما أعلن أن مجرد التزام الإسرائيليين هذا الحل يكفي، وليس تطبيقه لحظياً.

اعترض السعوديون بالتأكيد وأنكروا، لكن، بحسب سير الأمور، من غير المستبعد أنهم قاموا بتعهّد كهذا. حلّ الدولتين هنا لا تطلبه السعوديّة بسبب تبنّيها القضية الفلسطينية، لكن في محاولة لدفن نقطة الصراع الأساسية بين العرب والصهاينة، تمهيداً لقيادتها هذا الحلف العربي.

اليوم السعودية تعيش بين نارين فهي تواجه معضلة كبيرة. لأنه بالنسبة لها من جهة، ترى أن التطبيع ضرورة أمنية مستقبلية، لكنها لا تضمن مستقبل المنطقة. ولنكن أكثر وضوحا انها تخشى من رد فعل الشارع العربي تجاه خطوة التطبيع بل انها قد تؤدي إلى تفجير الأوضاع في المنطقة في حال لم تتمكن من أن تسوّقه على أنه انجاز أو حلّ ما للقضية الفلسطينية.

نهاية، خلص محللون إلى أن تطبيع العلاقات بالصهاينة المصرّين على التطهير العرقي وسياسة الفصل العنصري ومعاملة الفلسطينيين كأنهم دون البشر أنه قد يكون خطوة تحمل أخطاراً على السعوديّة ومحورها أكبر من خطر محور المقاومة في المستقبل القريب حتّى. وهنا ترى السعودية، بقيادة محمد بن سلمان، نفسها أمام خيارين أحلاهما مُرّ.

السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت هذه التصريحات الشرسة ستتبعها أفعال خصوصا في علاقتها بالولايات المتحدة، أقوى حليف لإسرائيل وكيف يمكن أن تحشد العالمين العربي والإسلامي.

مجد عيسى


المصادر:

1-https://2cm.es/K-lg
2-https://2cm.es/K-lA
3-https://2cm.es/K-lG
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال