وفق أهداف استراتيجية تتعلق بالواقع الأمني في الشرق الأوسط، يبدو أنّ الإدارة الأميركية ممثلة برئيسها الحالي، جو بايدن، تسعى إلى بلورة واقع سياسي في المنطقة، والعمل بجدّ على كسب المزيد من الدعم لـ «إسرائيل»، وربطاً بذلك، فإنّ واشنطن لا تدّخر جهداً في نسج المزيد من اتفاقيات التطبيع العربي مع «إسرائيل»، وذلك بغية تحييد مصطلح الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» أولاً، ولتأمين محيط إقليمي يُهادن ويُحابي «إسرائيل» ثانياً، ولعلّ الأنباء التي تتحدث عن قرب عقد اتفاق تطبيع جديد مع «إسرائيل»، وربطاً بالتصريحات «الإسرائيلية» التي ألمحت أكثر من مرة إلى السعودية، قد نكون وضمن رعاية أميركية على بعد أشهر قليلة، لإعلان التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
الإدارة الأميركية تأمل في موافقة الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، محمد بن سلمان، على المُضي في اتفاقية تطبيع مع «إسرائيل»، لتدخل المملكة السعودية إلى الإطار الأمني الجديد في المنطقة، والذي انضمّت إليه الإمارات والسودان والمغرب والبحرين، وبالتالي فإنّ حالة الجفاء الأميركي السعودي، لم تكن في المضمون إلا رغبات أميركية باستبعاد السعودية من المعادلات الجديدة في الإقليم، بغية الضغط عليها للرضوخ وقبول عقد اتفاقية تطبيع مع «إسرائيل»، واليوم يبدو أنه لا مانع أميركي من قيادة السعودية لشؤون المنطقة، خاصة بعد إعادة العلاقات مع إيران وسورية، لكن ثمة حلقة مفقودة في عقد التطبيع مع «إسرائيل»، وربما السعودية باتت جاهزة لإكمال طوق المعاهدات معها.
الإدارة الأميركية وربطاً بنوايا جو بايدن لجهة الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، يبدو أنّ الرجل يسعى لتحقيق إنجاز سياسي يستثمره في السباق الانتخابي، أو يقدّمه هدية لحزبه. وفي المقابل، فإنّ السعودية لا يمكن لها أن تتخلى عن مفردات الدعم الأميركي، حتى وإنْ لاحت في أفق العلاقات بينهما، حالة من الجمود أو الفتور السياسي، فالسعودية ضمناً ترغب بلعب دور إقليمي جديد، عنوانه الحداثة وردم المفاهيم القديمة، وبذات الإطار، فإنّ السعودية وسياستها الجديدة، تكاد تكون أقرب إلى مرحلة استراتيجية جديدة، عنوانها الرئيس سقوط الأولويات، والعمل على رؤية جديدة عنوانها أيضاً تشبيك العلاقات مع دول المنطقة بالمستويات كافة.
واقع الحال يؤكد بأنّ سياسة محمد بن سلمان تجاه «إسرائيل»، شهدت العديد من التموجات السياسية، لكن ثمة الكثير من التقارير التي تؤكد، بأنّ العلاقة السعودية الإسرائيلية تحسّنت منذ عام 2020، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين. في حين أنّ الموقِّعين الآخرين على الاتفاقيات الإبراهيمية قد وُضِعُوا في موقف حرج بسبب الارتفاع الأخير في العنف ضدّ الفلسطينيين، فقد شعر السعوديون بأنّ وجودهم خارج الاتفاق له ما يبرّره. كما سمح لهم بإظهار استيائهم دون إثارة حفيظة دبلوماسية.
حقيقة الأمر، أنّ محمد بن سلمان وضع شروطاً للانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، بما في ذلك الضمانات الأميركية لأمن السعودية، والإدارة الفنية لبرنامج الطاقة النووية، ورفع القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى المملكة، ولعلّ زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الرياض، لا تخرج عن هذا الإطار، ومن المفترض أن يسلّم الوزير الأميركي، ردّ بايدن على مطالب محمد بن سلمان، وذلك خلال زيارته السعودية، لكن من غير المتوقع أن يتمكّن بايدن من تلبية جميع مطالب الأمير قبل نهاية العام، لأسباب ليس أقلها معارضة زملائه الديمقراطيين في الكونغرس، وهو ما يعلمه السعوديون، وربما تعمدوا وضع المعايير في مستوى مرتفع للغاية.
في جانب آخر، فإنّ السعودية اليوم، وعلى خلاف دول التطبيع العربي مع «إسرائيل»، لا سيما أنّ تلك الدول ترى في إيران عدواً لها، بينما السعودية تعود إلى إيران، وتوقع الاتفاقيات معها، كما أنّ إبن سلمان لا يسعى في الوقت الحالي، للحصول على اعتبارات خاصة من الولايات المتحدة، على عكس المغرب مثلاً الذي حصل على اعتراف واشنطن بمطالبته بالصحراء الغربية، والسودان الذي شُطب من قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب.
في العمق، فإنّ محمد بن سلمان، يبدو أنه وحتى اللحظة، يضع رغبات والده موضع الاهتمام، فالملك السعودي يرغب بإقامة دولة فلسطينية، ويعارض في الوقت الحالي الانفتاح السعودي على «إسرائيل»، حيث قال محللون سعوديون إنّ محمد بن سلمان قرّر عدم التوقيع على الاتفاقات بينما لا يزال الملك على قيد الحياة.
وضمن الواقعية السياسية في نظر محمد بن سلمان، فإنّ وصمة العار التي تلاحق المُطبعين، باتت اليوم من الماضي، خاصة بعدما كُسرت هذه الوصمة مع تتابع اتفاقيات التطبيع مع «إسرائيل»، وربما في مرحلة لاحقة، سيكون لدى محمد بن سلمان إمكانية اختيار التوقيع على الاتفاقات، أو الوصول إلى اتفاقية دبلوماسية مختلفة تماماً.
وبحسب موقع بلومبيرغ الأميركي، فإنّ واشنطن كانت قد أعلنت أنّ إشراك المزيد من الدول العربية والإسلامية في الاتفاقات هو «مصلحة أمنية قومية معلنة للولايات المتحدة»؛ ولقد تحققت مصلحة الولايات المتحدة في تأمين «إسرائيل» من الدول العربية المعادية إلى حدّ كبير منذ عقود، عندما أقامت مصر والأردن علاقات مع الدولة، بينما يتطلب التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها في سورية ولبنان والعراق مساعدة عسكرية وتعاوناً استخباراتياً، وليس مجهوداً دبلوماسياً. والسعودية حتى من دون علاقات دبلوماسية طبيعية يصعب وصفها بأنها معادية لـ «إسرائيل».
ترجمة ما سبق، يبدو أنه ثمة تعاون يتمّ بلورته بين الرياض وتل أبيب. هو تعاون يرقى إلى المستوى العسكري والاستخباري، ويبدو أيضاً أنّ الفترة المقبلة ستشهد نوعاً من كسر الحواجز بين السعودية و»إسرائيل»، فهل ستكون المملكة العربية السعودية، هي حلقة الوصل الأخيرة في مسار التطبيع مع «إسرائيل»؟
د. حسن مرهج
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال