منذ أن تولى محمد بن سلمان الحكم اتبعت المملكة العربية السعودية نهجًا جديدًا في مجالات مختلفة حيث تُعتبر هذه الطرق، التي تتسم أحيانًا بالطموح، مسارًا يقود السعودية لتصبح واحدة من الدول المهمة والفعالة في النظام الدولي في المستقبل وتسعى المملكة حاليًا إلى تنويع شركائها في التحولات الدولية بحيث تضمن حماية نفسها قدر الإمكان من الأضرار المحتملة.
إن استراتيجية الحكومة السعودية في وقت تتحرك فيه بنية النظام الدولي نحو تغييرات جوهرية تتمثل في زيادة عدد شركائها الاستراتيجيين. بينما تتمتع السعودية بعلاقات دافئة وقوية مع الشرق بقيادة الصين فإن لها أيضًا علاقات استراتيجية عميقة مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة. في الواقع تسعى السعودية إلى تحويل موقعها من دولة تعتمد على الأهمية الجيوسياسية إلى دولة ذات مكانة جيو-اقتصادية. وقد أدى هذا التحول في السياسة السعودية إلى منحها قدرة أكبر على المناورة في التفاعل مع القوى الكبرى.
من بين آخر الإجراءات التي اتخذتها المملكة لتنوع شركائها هو توقيعها على الاتفاقية الاستراتيجية مع فرنسا التي تم التوقيع عليها الأسبوع الماضي. وقد تناولت هذه الاتفاقية موضوعات هامة بدءًا من المسائل العسكرية والدفاعية، وصولًا إلى الاستثمار في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي. كما تساعد هذه الاتفاقية الاستراتيجية البلدين في تقارب مواقفهما المختلفة، خصوصًا فيما يتعلق بأوضاع غرب آسيا.(1) ويعني ذلك أن السعودية وفرنسا قد توصلتا إلى فهم مشترك للظروف وتمكنا من تعريف مصالحهما المشتركة بوضوح.
في هذا السياق يؤكد كلا البلدين على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان ويعتقدان أن هذا الإجراء يمكن أن يساهم في إنقاذ لبنان من الجمود السياسي.
إضافة إلى ذلك فإن هذه المواقف المشتركة تمثل أهمية بالنسبة لفرنسا أيضًا إذ يسعى الرئيس ماكرون في ظل الضغوط السياسية الداخلية لتحقيق انتصار خارجي يمكنه من تقليل الهجمات على قيادته. وبالتالي تسعى فرنسا إلى زيادة نفوذها في لبنان والحفاظ على وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل مما يعزز موقفها في لبنان وفي النظام الدولي.
الآن تدعم فرنسا وقف إطلاق النار بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة الدعم السعودي مما يزيد من أدوات الضغط على نتنياهو وقد لا يتمكن من التصرف بلا مبالاة كما كان سابقًا كما أن دعم السعودية يمنح فرنسا القدرة على أن تكون لها وجود أكثر تأثيرًا في المنطقة ويعزز قدرتها على ممارسة دور فعال. يمكن أن يكون هذا الوجود مهمًا للسعودية أيضًا حيث يمكنها الاستفادة من أوراق ضغط فرنسا لزيادة قوتها التفاوضية أمام دول المنطقة والقوى الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك فإن الاتفاق مع السعودية يعتبر ذا قيمة كبيرة بالنسبة لفرنسا. إذ إن المشاركة الواسعة للمسؤولين الاقتصاديين ومديري الشركات العسكرية الفرنسية في هذه الزيارة تعكس أهمية هذه الزيارة لماكرون فهو يسعى من خلال بيع طائرات رافائيل الحربية ووجود شركة توتال في سوق الطاقة السعودية إلى خلق ظروف تعزز من النهضة الاقتصادية لفرنسا. كذلك يسعى الرئيس الفرنسي إلى زيادة فرص العمل في بلاده من خلال الأموال التي سيتلقاها من السعودية ليتمكن بذلك من تعزيز شعبيته، وللضغط على البرلمان لقبول مطالبه ومنع صعود التيارات المتطرفة في فرنسا.
وعلاوة على ذلك يجب الانتباه إلى أن السعودية هي جزء من المسار الجديد الذي حددته الولايات المتحدة، والذي يمتد من الهند إلى البحر الأبيض المتوسط. ويعتبر هذا المسار واحدًا من الأهداف الأساسية التي تسعى لتحقيقها ألا وهو السيطرة على الصين. هذا المسار يحظى بموافقة الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة ويعتبر ذا أهمية كبيرة بالنسبة لهم لأنه يمكنه تلبية العديد من احتياجاتهم عبر طرق آمنة مع الحلفاء وما حدث للغرب مع روسيا لن يتكرر مع هذا المسار، لذا يمكن تحليل الاتفاق الاستراتيجي الأخير بين السعودية وفرنسا في هذا السياق حيث تتمتع الدولتان بمصالح مشتركة عديدة وهما تتجهان نحو استثمار مشترك لتعزيز العلاقات وتسريع وتيرة إنشاء هذا الممر من خلال ذلك يمكن أن تظهر الثقة المتبادلة لبقية الشركاء في هذا المشروع.
في النهاية يبدو أن السعودية قد نجحت في تغيير توجهاتها الاستراتيجية مما أتاح لها إظهار دورها كدولة رائدة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة على الساحة العالمية وهي تسير نحو التنمية المستدامة من خلال بناء الثقة والتعاون مع القوى الكبرى.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال