السعوديون في أحضان الصين وتغيير الإستراتيجية الأمريكية 78

السعوديون في أحضان الصين وتغيير الإستراتيجية الأمريكية

في 23 ديسمبر 2021 أعلنت مواقع إخبارية دولية نقلاً عنCNN  في تقرير لها عن عدة مصادر مطلعة بالمخابرات العسكرية السعودية وعلى دراية في هذا المجال حيث كشفت أن السعودية تتعاون بنشاط ملحوظ مع الصين لتطوير صواريخ باليستية . ما أوردته سي إن إن لم يكن جديدًا بل كان مكملاً لما سبق أن أوردته مصادر أخرى خاصة نقلت عنها صحيفة “التايمز” الإنجليزية في يونيو 2019 ، “الصين تساعد السعودية في بناء ترساناتها الصاروخية  بعيدًا عن أعين الأمريكيين وبدء أيضًا بخط إنتاج طائرات بدون طيار”. وكان هذا الخبر ذاته كافياً لتأكيد الأخبار السابقة عن التعاون السري بين السعوديين والصين في العقود الماضية ولمتابعة ردود فعل الأمريكيين.

على الرغم من أنها مجرد تصريحات وفقًا للخبراء الدوليين فقد كانت هذه القضية متوقعة تمامًا لأنه نظرًا لتقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط والخليج العربي واعتماد سياسة التوازن الخارجية في حكومة بايدن، فإن الصين تتحرك لملء الفراغ الأمريكي (لكي يعلن الرأسماليون العرب استعدادهم بعيداً عن دعم مباشر من الولايات المتحدة). وبينما كان حلفاء أمريكا في المنطقة حتى قبل عدة سنوات يعتقدون أن الصين لا تستطيع توفير الأمن واستبدال أمريكا في هذا المجال إلا أن الصين تحاول إثبات أنها لن تتخلى عن أي نوع من أنواع التعاون معهم في المجال الأمني​​، ويمكن أن تكون شريكًا موثوقًا به حتى في توفير الأمن لهم. و تتضح قيمة تعاون الصين في مجال الصواريخ بالنسبة للمملكة العربية السعودية عندما لم تكن الولايات المتحدة على استعداد لمساعدة المملكة العربية السعودية في هذا الصدد. وضمن هذا السياق صرح برنارد هيكل أستاذ في دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون في مقابلة مع إحدى وكالات الأنباء الصينية إلى أنه “يتوقع صفقات” والمزيد من تجارة الأسلحة بين الصين والسعودية حيث تسعى الرياض إلى تنويع مصادر أسلحتها بسبب التوترات مع الولايات المتحدة التي تفرض في كثير من الأحيان شروطها على مبيعات الأسلحة لها “.

ولكن من أين أتى هذا التغيير في الإجراءات عند القادة السعوديين وتقليص العلاقات مع الولايات المتحدة؟ ما هو السبب الرئيسي لهذا التغيير القسري في التعامل؟ السعوديون الذين اعتبروا أنفسهم لعقود من الزمن محبين لأحضان الغرب وكانوا فخورين كثيراً بكونهم  شركاء للغرب في الشرق الأوسط (أقرأها خادمين) ؛ كيف فكروا في الابتعاد عن الولايات المتحدة؟

للإجابة على هذه الأسئلة علينا العودة إلى الانتخابات الأمريكية الأخيرة ورئاسة بايدن والإجراءات التي تلت ذلك فعندما أعلن بايدن معاقبة السعوديين لدورهم في مقتل الصحفي جمال خاشقجي في حملته الانتخابية ومباشرة بعد انتخابه اتبع نفس مسار أوباما في عدم بيع أسلحة هجومية ثقيلة للسعودية والاستعداد لتعليق بيع الأسلحة للسعودية والإمارات وبسبب الضغوط المحلية والدولية من الولايات المتحدة بدأت تظهر جهود واضحة للحد من نيران العدوان العسكري السعودي في اليمن.

في أخر المطاف كان رد فعل بايدن ضد دعم السعوديين لروسيا وكذلك قرار المملكة العربية السعودية وأوبك + خفض إنتاج النفط حيث قال:  أن هذا الإجراء سيكون له عواقب على الرياض. كل هذا كان مقدمة لبدء هجوم مضاد من السعوديين ودفعت هذه الأحداث وزير خارجية إدارة ترامب إلى الرد على نهج المملكة العربية السعودية تجاه الصين. وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز قال مايك بومبيو إن التقارب بين هذين البلدين والزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية كان بسبب سياسات خاطئة في السياسة لدى أمريكا وقرارات بايدن الشخصية السيئة. ورغم وقوع كل تلك الأحداث حاول بايدن شخصيًا وحكومته إرضاء السعوديين ومنعهم من تغيير استراتيجيتهم. خلال الأشهر الأخيرة حاول بايدن إعادة المياه إلى مجاريها في بعض الحالات من خلال التذكير بتاريخ 70 عامًا من التعاون بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أو من خلال التصريح بأنه “مؤخرًا تم نشر الكثير من المعلومات الكاذبة حول العلاقات الأمريكية السعودية” . لكن في الوقت نفسه أثناء جهود بايدن لإعادة العلاقات أرادت مجموعة من ممثلي الديمقراطيين الأمريكيين وضع بعض القيود على الرياض وأبو ظبي بسبب دعمهما لخفض إنتاج النفط والإجراءات السعودية المناهضة لحقوق الإنسان في اليمن. ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أنها اقترحت مشروع قانون يدعو إلى انسحاب جميع القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى جانب أنظمة الدفاع الصاروخي بما في ذلك أنظمة باتريوت وثاد. وفي تحركات أخرى ضد السعوديين قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي بيرني ساندرز: إذا كانت السعودية، وهي من أكبر منتهكي حقوق الإنسان في العالم و تريد الانضمام إلى روسيا لرفع سعر الغاز، يمكنها أن تسأل فلاديمير بوتين رئيس روسيا هل يريد حماية النظام الملكي في هذا البلد!؟  يجب سحب جميع الجنود الأمريكيين من السعودية ووقف بيع الأسلحة لهم ووقف أنشطة كارتل من أجل تثبيت أسعار النفط في هذا البلد.

يبدو أن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أصبحت متوترة بسبب انتقادات المسؤولين الأمريكيين للسعودية خاصة في مجالات حقوق الإنسان والعدوان العسكري في اليمن ودعم الرياض لموسكو لبحث الحد من إنتاج النفط. على الرغم من حاجة السعوديين الماسة إلى دعم الولايات المتحدة في أبعاد مختلفة لا سيما في المجالين الأمني ​​والعسكري، إلا أن التغيير في الاستراتيجية الأمريكية لتقليص وجودها في الشرق الأوسط والتركيز على شرق آسيا دفع السعوديين إلى تعزيز علاقاتهم مع الصين وذلك بإغرائهم بالمال الوفير على طاولة الصينيين للحصول على ضمانات جديدة لبقاء حكومتهم ولحماية أنفسهم من الأخطار واللسعات في أحضان الصين. وفي هذا الصدد كتب الصحافي والمحلل الروسي ينادي بيتروف: “في الوقت الحالي يبدو أن الصين تقدم للسعودية صداقة أقوى وأصدق من أمريكا”. ربما يفكر السعوديون في استخدام هذه الصداقة مع الصين للضغط على بايدن للتغاضي عن أخطائه، وبينما يعمقون العلاقات مع الصين وتلبية الاحتياجات العسكرية وتنويع مصادر أسلحتهم فإنهم أيضاً يسعون إلى كسب المزيد من الدعم المباشر من الولايات المتحدة.

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال