السقوط الأخلاقي لشولتز! 4

السقوط الأخلاقي لشولتز!

لقد سعت حكومة الائتلاف الألمانية في السنوات الأخيرة دائمًا لأن تظهر نفسها كحكومة معتدلة تدعم حقوق الإنسان. كما كان المستشار الألماني يحاول دائمًا أن يوازن بين المطالب الحقوقية والمصالح السياسية والاقتصادية لألمانيا. ومع ذلك يبدو أن الحكومة الائتلافية الألمانية لم تنجح في تحقيق التوازن بين حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية في دولتها، وأصبحت معاييرها المزدوجة تتكشف أكثر فأكثر أمام العالم.

الحكومة الإزدواجية
تتبع الحكومة الألمانية بشأن مسائل حقوق الإنسان نهجًا يعتمد كليًا على مصالحها الخاصة. وهذا يعني أنه إذا كان التواصل مع دولة ما يعود بالنفع الاقتصادي على الألمان، فلم تعد قضايا حقوق الإنسان مهمة بالنسبة للحكومة الألمانية. ومن الأمثلة على هذا السلوك يمكن الإشارة إلى العلاقات الاقتصادية مع الصين، حيث تتهم ألمانيا الصين بعدم احترام حقوق الإنسان في شينجيانغ أو تايوان، لكنها تحافظ على علاقاتها الاقتصادية معها أيضًا. وكذلك فإن نهج الحكومة الألمانية تجاه دول الخليج الفارسي يشير إلى ذلك. حيث إن ألمانيا بحاجة إلى استيراد الطاقة، ويعتمد اقتصادها على استيراد الغاز والنفط، فإن الحكومة الألمانية لا تتخذ موقفًا قويًا بشأن قضايا حقوق الإنسان في هذه الدول. في الواقع ما يهم حكومة شولتز هو الاستفادة الاقتصادية لألمانيا من تلك الدول. وفي حين لم تحقق ألمانيا أية منفعة تحاول الحكومة استخدام أدوات حقوق الإنسان لمصالحها الخاصة. ويمكن رؤية هذه الإجراءات أيضًا في آسيا الوسطى، حيث لم تراعي ألمانيا حقوق النساء أو حقوق الإنسان في مختلف عقودها الاقتصادية. لقد كانت هذه الإستراتيجية المنافقة إلى حدٍ تسببَ في تعالي أصوات احتجاج من هيئات حقوق الإنسان الغربية،[1] حيث يلاحظ أن الألمان أكثر حرصًا على مصالحهم الخاصة من الالتزام بالمبادئ الإنسانية.

انحدار أخلاقي!
في إحدى آخر التحركات السياسية للحكومة الألمانية، كان موقف هذا البلد من إعدام جمشيد شارمهد، المواطن الإيراني - الألماني المتهم بقيادة عدة عمليات إرهابية في الأراضي الإيرانية والتي كانت تحت متابعة جهات الأمن في الجمهورية الإسلامية. وقد أدانت ألمانيا هذا الفعل.[2] وهذه الرؤية الألمانية بشكل عام ليست جديدة من قِبل الغرب تجاه إيران. لكن النقطة المهمة هي أن الحكومة الألمانية، دون الإشارة إلى أسباب الإعدام ودور شارمهد في العمليات الإرهابية المختلفة في إيران، اكتفت فقط باستخدام هذه القضية لأغراض سياسية وأداة لإدانة إيران. في الواقع استغلت الحكومة الألمانية الفرصة مرة أخرى لاستخدام أدوات حقوق الإنسان ضد إيران. وفي هذا السياق توافقت أيضًا مع سياسة الاتحاد الأوروبي في مسعاها. يبدو أن أوروبا وألمانيا تسعيان لزيادة أدوات الضغط على إيران للحصول بذلك على المزيد من القوة في المفاوضات. إن استخدام أدوات حقوق الإنسان يمكن أن يوفر لهما مزايا في المحادثات السياسية. لذا فليس من الغريب أن تسارع ألمانيا إلى إدانة هذا الإجراء دون النظر إلى أسبابه.

يبدو أن حكومة شولتز تبحث عن الاستفادة من كل حدث سياسي في العالم. وقد تصرفوا بهذا الشكل أيضًا فيما يخص الإبادة الجماعية في غزة والحرب في لبنان. بالنسبة لهم حقوق الإنسان ليست أولوية بل المصالح الاقتصادية هي الأهم، حيث إن بيع السلاح لإسرائيل والنمو الاقتصادي لهما أهمية أكبر من احترام حقوق الإنسان. بناءً عليه يمكن القول إن الحكومة الألمانية قد سلكت مسارًا منحدراً أخلاقيًا بشكل واضح. فقد كانت في زمن السيدة ميركل تمتلك معايير محددة أكثر وضوحًا في قضايا حقوق الإنسان، فهم يرون أن لديهم خطوطاً حمراء مرنة لتعويض نقائصهم الاقتصادية والاجتماعية. الخطوط الحمراء يمكنها حتى أن تحدد قيمًا مختلفة لحياة الإنسان وترى أساس أهمية سفك الدم ذو فائدة كبيرة في الاقتصاد والمصالح المالية .

بشكل عام يبدو أن هذا الانحدار الأخلاقي في النظام الدولي أصبح أمرًا عاديًا، حيث لم يعد يهم الدول مسألة حياة الإنسان، أو تحقيق العدالة والمساواة، أو الوصول إلى الحقوق الأساسية. بل أصبحت الأهمية تُعطى للمصالح المالية والاقتصادية لدى القوى الكبرى. في الواقع إذا كنت في خدمة القوى الكبرى فلا تعني حقوق الإنسان شيئًا لهم طالما أنك مفيد لمصلحتهم. لكن إذا لم تكن لديك فائدة كافية لهم أو لم تمنحهم الامتيازات المطلوبة، فعليك أن تنتظر اتخاذ الإجراءات اللازمة بسبب عدم احترام حقوق الإنسان بحجة الحفاظ على أمن بلادك.

امین مهدوي
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال