السودان واستئناف العلاقات مع إيران 1072

السودان واستئناف العلاقات مع إيران

بعد إعلان البيان المشترك بين إيران والسودان في يوم 9 أكتوبر 2023م أنهما سيستأنفان علاقاتهما الدبلوماسية، أعلن الجانبان في 5 يونيو من هذا العام خلال زيارة القائم بأعمال وزير خارجية السودان إلى إيران عن الاتفاق على تسريع وتيرة العلاقات بينهما من ضمنها عملية إعادة فتح السفارات في كلا البلدين. لكن لماذا انقطعت العلاقات بين البلدين ومن ثم استؤنفت؟

تعود العلاقات بين إيران والسودان إلى عام 1989، عندما دعمت طهران انقلاب عمر البشير، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للسودان. خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قدمت إيران مساعدات تنموية ومساعدات عسكرية للسودان. وباستخدام موقع السودان والبحر الأحمر، قامت طهران بتصدير النفط إلى الدول الأفريقية وزودت الحوثيين في اليمن والجماعات الفلسطينية في غزة بالأسلحة.

كما قدم السودان الدعم الدبلوماسي لطهران. واعترفت هذه الدولة بحق إيران في مواصلة برنامجها النووي وصوتت ضد قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت ضد إيران. ومن عام 1979 إلى عام 2021، كان السودان ثالث أكبر شريك تجاري لإيران في أفريقيا، وهو ما يمثل في المتوسط ​​3% من تجارتها السنوية مع القارة.

لكن بين عامي 2013 و2016، واجهت العلاقات بين إيران والسودان سلسلة من التوترات الشديدة. وفي عام 2014، أغلق السودان المركز الثقافي الإيراني وطرد مسؤولين دبلوماسيين متهمين بالترويج للمذهب الشيعي في دولة ذات أغلبية سنية. وبعد ذلك بعامين، في عام 2016، قطعت هذه الدولة ودول أخرى في القرن الأفريقي العلاقات الرسمية مع طهران.

وكانت هذه الانسحابات بسبب فك ارتباط إيران بالسودان وإفريقيا للتركيز على الدبلوماسية النووية مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى. وتزامنت هذه الفترة أيضًا مع زيادة المساعدات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية من السعودية والإمارات للسودان ودول أخرى في القرن الأفريقي مقابل الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد حركة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن.

وكانت المساعدات جاذبة بشكل خاص للسودان، الذي واجه عزلة وصعوبات اقتصادية نتيجة لمذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق عمر البشير، وانفصال جنوب السودان الغني بالنفط، وفرض عقوبات أمريكية مكثفة.

لكن على الرغم من اعتقاد البعض خطأً أن العلاقات بين البلدين انقطعت بسبب الهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، إلا أن الحقيقة هي أن العلاقات بين إيران والسودان كانت تواجه مشاكل قبل الهجوم على السفارة السعودية والسبب الرئيسي هو أن إيران اكتسبت نفوذا كبيرا في السودان، وكان السودان يتعرض لضغوط من أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات لقطع هذه العلاقات، و تلقى وعداُ بامتيازات سياسية واقتصادية مقابل قطع علاقاتها مع إيران.

لقد فعل السودان ذلك لكنه أدرك خطأه فيما بعد. وبعد ذلك واجهت حكومة السودان برئاسة عمر البشير، الذي كان يأمل أن تصل إليها مساعدات الدول الواعدة وتحل مشاكل الشعب الاقتصادية، احتجاجات شعبية وأخيرا انقلابا من قبل الجيش، و اليوم البلاد متورطة في حرب أهلية من أجل السلطة.

على أية حال، وبالنظر إلى عملية المصالحة التي تجري في المنطقة بين دول المنطقة، فإن السودان يدرك جيداً أنه ينبغي أن يكون جزءاً من هذه العملية. ومن ناحية أخرى، ترى إيران أن جزءاً من أسواقها الاقتصادية يقع في أفريقيا، وتسعى إلى إقامة علاقة جيدة مع إحدى دول شرق أفريقيا حتى تصبح تلك الدولة قاعدة تصدير إيران إلى أفريقيا.

لقد أظهر تاريخ تعاون إيران مع السودان أن السودان يمكن أن يكون مركزًا تجاريًا جيدًا لإيران، وبالنظر إلى المعرفة التي يتمتع بها الإيرانيون داخل السودان، فمن الأسهل عليهم العمل من خلال السودان مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى التي لا يعرفون عنها الكثير.

كما يمكن للسودان، بحسب إمكانياته أن يصبح مكاناً جيداً للإنتاج الصناعي والزراعي لإيران من أجل إعادة تصدير البضائع إلى دول أفريقية أخرى أو حتى إنتاج بعض السلع مثل السلع الزراعية التي تحتاجها إيران.

إضافة إلى ذلك فإن إقامة العلاقات مع السودان يجب أن تعتبر بمثابة كسر الحلقة الأخيرة المتبقية في إعادة علاقات إيران مع كافة الدول العربية. عملياً، لا يوجد سوى دولتين عربيتين أخريين، هما المغرب والبحرين، لا تربطهما علاقات سياسية رسمية مع إيران، ويمكن تصور أن عملية المصالحة في المستقبل القريب ستشملهما أيضاً.

بالإضافة إلى هذه القضايا، هناك أيضًا احتمال أن تتجه الحكومة الشرعية في السودان إلى شراء الأسلحة الإيرانية لتلبية احتياجاتها الدفاعية، وسيصبح السودان مرة أخرى أحد أسواق السلع الدفاعية الإيرانية.

ومؤخرا قالت وكالة رويترز نقلا عن عدة مصادر، بينها مصادر إيرانية إن الجيش السوداني تمكن من تحقيق انتصارات وتقدمات في الحرب الأهلية باستخدام الطائرات بدون طيار التي استلمها مؤخرا من إيران.

وقال مصدر عسكري سوداني كبير لرويترز إنه بعد مرور عام على الحرب الأهلية في السودان، تساعد الطائرات العسكرية بدون طيار إيرانية الصنع في تغيير مسار الصراع ووقف تقدم قوات الدعم السريع واستعادة المناطق المحيطة بالعاصمة.

لقد فعلت إيران ذلك لإظهار القوة وتعزيز التحالفات والتأثير على الصراعات في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدر دخل مربحًا للاقتصاد الإيراني بالإضافة إلى عروض أخرى لإدخال التكنولوجيا إلى هذا البلد.

إن تسليح القوات المسلحة السودانية يساعد على تحقيق الأهداف الجيوسياسية الواسعة لإيران ومنافستها مع المنافسين الإقليميين بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

ورغم أن بعض العوامل والظروف الخارجية، مثل نفوذ السعودية على السودان وتبعية وضعف بعض مسؤوليها بالنسبة للولايات المتحدة، قد دفعت هذا البلد إلى النأي بنفسه عن إيران، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أنه سيكون هناك مصالحة وقد ظهرت مراجعات في الإستراتيجية الشاملة للحكومة السودانية تجاه إيران ويمكن لإيران أن تنظر إلى هذه القضية على أنها فرصة، وفي الوقت نفسه تضع في اعتبارها أن مصير العلاقة مع السودان سيتأثر دائمًا ويظلل مرتبطاً بتطورات العلاقات الإيرانية السعودية.

السودان، ثالث أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، لديه العديد من القواسم المشتركة الثقافية والدينية مع إيران. ومن أجل الاستفادة من هذه القدرات وتماشيا مع السعي إلى تطبيق مبدأ "كسر الاحتكار في العلاقات الدبلوماسية"، يمكن تنفيذ التفاعل مع الدول الإفريقية.

وفي الوقت الحالي، توصلت حكومة الخرطوم إلى نتيجة مفادها أنه ينبغي عليها توسيع علاقاتها مع إيران. ومن الممكن أن تكون هذه العلاقات مفيدة لكلا البلدين. ويمكن للسودان الاستفادة من قدرات إيران، ومن ناحية أخرى، وباعتبار أن السودان يقع على حافة البحر الأحمر، فإن هذا الموضوع يمكن أن يجلب فرصا كثيرة لإيران من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية.

محمد صالح قرباني
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال