بعد ظهور حركة طالبان في أفغانستان تسعى هذه الجماعة باستمرار إلى إنشاء حكومة مستقرة وقادرة على العمل والمضي قدماً من خلال إقامة علاقات مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية والالتزام بمفاوضات السلام واحترام حقوق الإنسان، لكي يعترف بها الدول كحكومة شرعية وموثوقة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف يجب أولاً تعزيز الرضا الداخلي في أفغانستان ولكن القيود الاجتماعية والدينية والثقافية فضلاً عن المشاكل الاقتصادية التي نشأت نتيجة لحكم طالبان قد وضعت البلاد أمام تحديات جدية للغاية. بالرغم من ذلك فإن الوضع في أفغانستان لا يشير إلى أي حركة جدية من قبل الناس للاحتجاج ضد هذه التحديات مما يثير السؤال: لماذا على مدى السنوات الثلاث التي تلت سيطرة طالبان وفرض القيود العديدة من قِبلهم، لم نلاحظ أي احتجاج ملحوظ من قبل فئات المجتمع المختلفة؟
عند النظر إلى الكتابات التي تناولت القيود الاجتماعية والدينية والثقافية التي فرضتها طالبان يتبين أن هناك عدة أسباب لعدم وجود مطالبة اجتماعية من الشعب الأفغاني:
1- تعصبات دينية وعرقية: تعتبر تعصبات الشعب الأفغاني موضوعًا ذا أهمية كبيرة إذ يتمتع أبناء هذا البلد بتعصبات معينة في حياتهم الاجتماعية. خصوصًا وأن نحو 75% من سكان البلاد يعيشون في القرى بينما يظل السكان في المدن تابعين لنفس التعصبات الموجودة في الأرياف مثل حقوق النساء في المجتمع، والتعليم، والعمل، وغيرها. هذه القضية لا تمثل فقط أحد الأسباب الرئيسية لعدم المطالبة الاجتماعية بل أصبحت أيضًا مبررًا لفرض القيود من قِبل طالبان.
2- غياب القيادة المنسجمة: إن افتقار المجتمع الأفغاني إلى قيادة موحدة وانقسام زعماء القبائل وتفضيل المصالح الشخصية على المصالح الجماعية أو الوطنية أسهم في الوضع المؤسف الذي نشهده في أفغانستان. ففي اثناء التحركات مثل حركة "روشنائي" خرج عشرات الآلاف من الأشخاص للاحتجاج والمطالبة بحقوقهم استجابة لدعوات زعمائهم لكن هؤلاء القادة الذين أطلقوا النداءات تركوا الناس بمفردهم مفضلين الوعود التي قدمتها الحكومة والمنافع الشخصية على المصلحة الوطنية.
3- من العوامل الأخرى التي شكلت عائقًا أمام تمكين حكومات أفغانستان من تلبية مطالب الشعب الأفغاني، خاصةً مجتمع الشيعة هو غياب الوحدة بين المجتمعات غير البشتونية وخاصةً الهازارا والشيعة. على مر التاريخ وبعد استقلال هذا البلد استخدمت الحكومات هذه الورقة ضد المجتمعات غير البشتونية والشيعة وانتهكت حقوقهم.
4- إحدى التحديات التي نشأت بعد سيطرة طالبان هي المشاكل الاقتصادية العديدة والبطالة الشديدة في المجتمع الأفغاني. فالمشكلات الاقتصادية التي قد توجد في أي مجتمع إذا لم تسعى الحكومة لحلها ستؤدي إلى تسريع تآكل هذا المجتمع. ولكن في المجتمع الأفغاني الذي يتمتع أفراده بالرضا عموما ًحيث يبذلون جهدهم لتأمين لقمة العيش ليوم واحد مما أدى إلى غياب المطالبة من جانبهم.
5- إنشاء بيئة أمنية وخوف الناس من الاحتجاج هو أمر مهم آخر يجب التطرق إليه، فعلى الرغم من أن الناس يظهرون مشغولين بأعمالهم وكأن لا توجد قيود أو منع عليهم ولا خبر عن دوريات القوات الأمنية كما كان في فترة الجمهورية إلا أن التعامل العنيف والقاسي من قبل هذه الأجهزة مع أي شكل من أشكال الاحتجاج أو التعبير عن الرأي المخالف أو المطالبة قد جعل الناس في أفغانستان يدركون أن أي مطالبة ستقابل بعنف مما يؤدي إلى الإقصاء الجسدي أو الشخصي أو حرمانهم من حقوقهم الاجتماعية الأساسية. لذلك على مدى السنوات الثلاث الماضية تم انتزاع القدرة على المطالبة من الشعب الأفغاني.
خلاصة القول
يبدو أنه خلال السنوات الثلاث الماضية وبعد ظهور طالبان أصيب الشعب الأفغاني بالإحباط في مطالبه الاجتماعية بسبب عدم اكتراث طالبان بمطالب هؤلاء الناس، وسلب حقوقهم تحت شعار الشريعة، وفي الساحة الدولية بسبب تعارض مصالح القوى لا توجد حركة قادرة على توحيد الدول وإدارتها بشكل فعّال للمطالبة والدفاع عن الحقوق الاجتماعية للشعب الأفغاني.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال