إن انتشار شعبية الجنرال سليماني كان أحد الأسباب الرئيسية التي انتهت باغتياله، حيث اجتاحت أهوال هذه الخصيصة الأميركيين والحكومات الإقليمية المتحالفة معهم بشدة. في حين لم يكن اللواء سليماني قائدا شعبيا لدى الإيرانيين فحسب، بل في جميع أنحاء المنطقة، كان يُذكر اسمه باعثا على الأمل والأمان.
وأثناء إدارته للحرب ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة، لاسيما العراق وسوريا، لعب اللواء سليماني دورا خاصا في إرساء السلام والاستقرار بين القبائل والأعراق المختلفة. وكانت مبادرة إنشاء الحشد السني والحشد المسيحي بهدف إشراك جميع الجماعات العرقية في الحرب ضد داعش والحد من الخلافات والضغائن القديمة بین دول المنطقة من بركات وجوده، بحیث كلما تصاعدت الخلافات بشكل خطير، بلعْبه دور الوسيط، دُعي اللواء سليماني لتسويتها.
وعلى الرغم من أنه كان يرتدي الزي العسكري ويعارض في الأصل الإرهابيين التكفيريين، إلا أنه كان يفكر دائما في سلام شامل یسود المنطقة كسفير للسلام. كما أنه في رحلته الأخيرة إلى بغداد، حينما استهدفه الأمريكيون بهجوم جبان، کان على طريق السلام يحمل رسالة إيران إلى الرياض لرئيس الوزراء العراقي آنذاك عبد المهدي.
فضلا عن ذلك، إن اهتمامه الرئيسي بتقدم الحضارة الإسلامية هو سبب مهم آخر جعل الشهيد سليماني یجد مصداقیة أکثر، لأنه كقائد ميداني أعدّ أسس هذه الحضارة الجديدة ودفعها نحوالأمام. فربّما أدرك اللواء سليماني أكثر من غيره الأهمية الاستراتيجية لرأي قائد الثورة في خلق ثقافة المقاومة، وأكثر من غيره، كان يعرف ثمار ظهور هذه الظاهرة الإيديولوجية الهامة.
وكان الجنرال سليماني رمزا للسياسة الإقليمية لدى جمهورية إيران الإسلامية، وكقائد لفیلق القدس، تمكن من تطوير سياسة خلق جغرافيا المقاومة بالمنطقة، والتي تُبنى على مفاهيم الجهاد وتراثه في النظام الفكري للثورة الإسلامية الإيرانية. وذلك لأنه كان يقود جانبا من أسس الثورة وأهدافها التي تسلط الضوء على تميّز جمهورية إيران الإسلامية عن الهندسة القمعية وأفكارها التي سادت العالم والمنطقة. واستطاع الشهيد سليماني رسم خريطة جغرافية للمقاومة وتحقيقها إلى حد كبير، وفقا لأوامر آية الله العظمی خامنئي ومبادئه التوجيهية بشأن نطاق جغرافية المقاومة.
وأدّت صفاته الأخلاقية وأدائه إلى زيادة شعبيته بين الأمم حيث أصبح اسمه وسمعته عالميين في ضوء تفانيه وتضحياته، وعلى حد تعبير قائد الثورة الإسلامية، إنه بوحده كان بمثابة حركة للمقاومة، كما اُعتبر شخصية دولية بارزة فيها خطّطت لمسار الدفاع عن الإسلام ومُثُل الثورة السامية ومحور المقاومة والجهاد باستشهاده ودمه.
ولقي مراسم تشييع جثمانه ترحيبا فريدا جدا في إيران وغيرها من البلدان وكان ذلك في واقع الأمر تقديرا للجهاد والنضال. وبالنظر إلى أن أعظم خصائصه في طريق الجهاد كان ینطوي على صفاء نواياه، جعله الله عزيزا وعظيما لدرجة أنه لن يُنسى أبدا في تاريخ المنطقة. وفي نفس المراسم، هتف آلاف الشباب بصدور ملأى بأسى مُقدَّس بأن كل واحد منهم سيكون قاسم سليماني، الذين اختاروا بوعي مدرسة الشهيد ومحاربة أعداء الإسلام ودعم المظلومين، وهو ما سبّب خلود حب الجنرال في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال