وأخيراً بعد أشهر عدة من استشهاد السيد حسن نصر الله وصلت الأوضاع في لبنان إلى درجة من الاستقرار مع وقف إطلاق النار وانتخاب حكومة لبنانية جديدة، سمحت بدفن قائد المقاومة الشيعية اللبنانية على يد أنصاره من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. ورغم أن الكيان الصهيوني وداعميه نفذوا العديد من الأعمال التخريبية لمنع الناس من المشاركة في تشييع جنازة السيد حسن نصر الله إلا أن آلاف الأشخاص من نحو 65 دولة سافروا إلى لبنان لحضور الجنازة بحسب مصادر لبنانية رسمية.
وقد تباينت آراء المشاركين في الحفل حول استشهاد السيد حسن نصر الله، ففي الليلة التي سبقت الحفل قال البعض إنهم ما زالوا لا يصدقون أن السيد حسن نصر الله لم يعد بيننا، وإنهم يأملون أن يأتي غداً إلى ملعب كميل شمعون ويعلن أنه حي، وبعضهم عندما شاهدوا مكان استشهاده تيقنوا أن السيد حسن نصر الله انضم إلى جوار الله. وكان المشاركون في الحفل من مختلف الأديان والمذاهب ليس فقط المسلمين والعرب، بل أيضا المسيحيين ومن جنسيات مختلفة سافروا إلى لبنان لحضور الحفل. كل ذلك من أجل هدف واحد: أن يقولوا: "نحن صادقون في العهد الذي قطعناه".
خلال الأسابيع الأخيرة بالإضافة إلى القيود المفروضة على الرحلات الجوية، قام الكيان الصهيوني وأنصاره بالعديد من التهديدات والدعاية الإعلامية لمنع إقامة جنازة السيد حسن نصر الله أو تغطيتها إعلامياً. وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو أن جنازة السيد حسن نصر الله المهيبة أرسلت رسالة مهمة إلى الرأي العام العالمي مفادها أن الحق حي ومنتصر ومستمر دائماً.
كان السيد حسن نصر الله من الأبطال المعاصرين القلائل الذين لم يقتصروا على الحزب والحرس وأنصار الثورة الإسلامية في إيران كما تصور وسائل الإعلام المنحازة . بل كرس حياته للدفاع عن الإنسانية كلها وإنسانيتها، ولم يكتف بذلك لأكثر من ثلاثين عاماً، ففي الوقت الذي كان فيه الحكام العرب يصمتون ويتنازلون عن حقوق وكرامة الشعوب المضطهدة، وقف وصرخ ضد الظلم والقمع العالمي.
لم يكن الشهيد نصرالله ينظر إلى الناس من خلال الحدود الضيقة والقبائل والأنساب والأعراق، وكان مجرد كونه إنساناً أمراً مهماً بالنسبة له. لقد اجتمع الشعب المظلوم والمضطهد لتكريم اسمه وذكراه، على الرغم من القيود والتهديدات، و ليس فقط من دول منطقة غرب آسيا بل وأيضاً من دول أفريقيا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية ليقول إن طريق المقاومة مستمر.
إن المشاركة الشعبية في هذه المراسم هي في الواقع تجديد للصداقة والولاء لقائد المقاومة ومحور المقاومة وخياراته الاستراتيجية. في الواقع فإن التجمع الرائع الذي شارك بحضوره في مراسم التشييع في لبنان هو جزء من الحرب ضد العدو ويظهر دعم الشعب للمقاومة، لأنه من وجهة نظر الخبراء والمحللين الدوليين فإن مثل هذا التجمع الرائع لمراسم تشييع زعيم لم يحدث في تاريخ الدول العربية وهو أمر غير مسبوق.
لقد تشكلت مواكب شعبية لاستقبال ضيوف التشييع الذين كانوا كما قالوا، يوزعون القرابين باسم السيد وتخليداً لذكراه وحباً له. جاء الشباب الذين فقدوا أيديهم وأعينهم وأجزاء أخرى من أجسادهم في انفجار أجهزة الاتصال(البيجر)، وحتى منهم من فقد عيونه، لكنهم ذرفوا الدموع على فقدان قائدهم. وكما قال المشاركون غير اللبنانيون والحشود الضخمة التي جاءت رغم البرد واحتمال الخطر وبكل فخر: "لقد كان عزيزنا" وحتى "إذا سقطت الحجارة من السماء أوقصفوا موكب التشييع فإننا سنودع سيدنا وداعا مجيداً وسنكون معه".
وكما شاهدنا خلال حفل تشييع قائد المقاومة حاولت طائرات الاحتلال مرتين ترهيب حشود مئات الآلاف، إلا أنهم ردوا بالهتاف "الموت لإسرائيل". إن المقاومين الذين آمنوا بوجود الظلم والقمع والذين هم على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل مبادئهم وأهدافهم لا يخافون بالتأكيد من بضع طائرات مقاتلة تحلق في السماء. ومن الواضح أن المقاومة لا تقهر بوجود مثل هذا الحشد الاجتماعي ورأس المال البشري الذي يمتلكه في مناطق مختلفة من العالم.
ولم يأت هؤلاء الناس لتوديع الشهيد نصر الله فحسب، بل لتجديد العهد مع زعيم كانت أقواله وأفعاله واحدة. وليس كغيره من زعماء الدول العربية، فلم يكتف بإدانة العدوان وانتهاكات حقوق الإنسان بل ناضل من أجل هذه القضية حتى أصبحت قضية خالدة و وصلت روحه الآن إلى مرتبة "الفرح بما آتاهم الله من فضله".
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال