الصراع الجيوسياسي في الضفة الغربية وساحل غزة 59

الصراع الجيوسياسي في الضفة الغربية وساحل غزة

حذر القادة الماليون حول العالم والمنظمات الدولية في الأسابيع الأخيرة من التبعات السلبية لحرب غزة على الاقتصاد الدولي، وذكروا الآثار الثقيلة لهذه الحرب على الاقتصاد العالمي، إلا أنه في الوقت نفسه تعتبر واحدة من أهم القضايا لإن حرب غزة لها تأثيرها على مستقبل حقل الغاز في غزة، الذي توليه وسائل الإعلام اهتماما قليلاً . وتم اكتشاف حقل غاز غزة، الذي يعد أحد الموارد المهمة لشرق البحر الأبيض المتوسط، قبل نحو عقدين من الزمن ولم يصل بعد إلى مرحلة الاستغلال الكامل والإمداد بسبب المشاكل السياسية واحتلال الصهاينة للقطاع.

بداية، يشير إلى أنه في عام 1995، تم التوقيع على اتفاقية تسمى "أوسلو 2" بين منظمة التحرير الفلسطينية وممثلي النظام المحتل، والتي على أساسها تم الإعلان عن قيام السلطة الفلسطينية وتم الاتفاق على نطاق سلطتها. ورغم مرور ما يقرب من 30 عامًا، بحسب الجزيرة، على هذا الاتفاق، الذي أسمته الجزيرة اتفاق أوسلو المخزي، إلا أن الفلسطينيين ما زالوا يعانون من التبعات السياسية والأمنية لهذا الاتفاق الكارثي[1] لكن بناءً على هذه المعاهدة، التي قسمت بالكامل حسب إرادة ومصلحة إسرائيل مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن الحقوق البحرية حتى 20 ميلاً من الساحل مضمونة للفلسطينيين. وبناءً على ذلك، وقعت سلطات السلطة الفلسطينية عقداً للتنقيب عن الغاز مع مجموعة الغاز البريطانية في عام 1999 لمدة 25 عاماً. وفي عام 2000، تم اكتشاف بئرين كبيرين للغاز على ساحل غزة باحتياطي يبلغ 1.4 تريليون متر مكعب، ويعود ما يقرب من 60% من هذه الاحتياطيات إلى الساحل الفلسطيني وفي الوقت نفسه، أصدر رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أيضًا الإذن ببدء حفر البئر الأول تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية وعمليًا وفقًا لقوانينها المكتوبة والمنصوص عليها، ولم يتمكن من منع ذلك.

لكن الآن تغير الوضع، وفي السنوات الأخيرة، تم ذكر الموارد الغنية والضخمة في هذه المجالات عدة مرات، وبحسب الدراسات التي نشرتها قمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، هناك موارد ضخمة من النفط والغاز في قطاع غزة والضفة الغربية. وقد أشارت هذه الدراسات إلى: "أن هناك ثروة هائلة من موارد النفط والغاز في مناطق الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي يبدو أن دولة الاحتلال الصهيوني قد منعت الفلسطينيين من استغلالها".[2]

رغم التبعات العسكرية الناجحة لعملية طوفان الأقصى على قوى المقاومة الفلسطينية واستمرار الانتقام الإسرائيلي الغاشم من الفلسطينيين والقصف المكثف والمستمر على مدار الساعة لقطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، والذي نفذه بهدف تدمير وإخلاء غزة والقتل الوحشي لأكثر من 16 ألف طفل وامرأة ومدني فلسطيني[3] نشهد مرحلة جديدة من الحرب غير المتكافئة التي يشنها الصهاينة ضد الأمة والشعب الفلسطيني. منذ زمن بعيد، ألحق النظام الصهيوني أضرارا بمليارات الدولارات بالاقتصاد الفلسطيني، من خلال احتلاله للأراضي الفلسطينية وحرمانها من استغلال مواردها الطبيعية. تمتلك فلسطين ثروات وموارد طبيعية بمليارات الدولارات تلبي احتياجات شعب هذه الأرض بشكل كافٍ، لكن وجود الغزاة الصهاينة وسيطرتهم القمعية على هذه الموارد ومنع استغلالها يحرم الفلسطينيين من فوائدها. وفي هذا الصدد أكد وزير الاقتصاد في السلطة الفلسطينية منذ فترة أن الفلسطينيين يتكبدون خسائر بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً بسبب احتلال الضفة الغربية والقدس المحتلة من قبل النظام الصهيوني.[4]

تجدر الإشارة إلى دراسة أعدها وقدمها معهد الأبحاث التطبيقية (أريج)، تقدر الأضرار السنوية للوجود الإسرائيلي المباشر وغير المباشر في الأراضي الفلسطينية بنحو 9.46 مليار دولار.[5] وبحسب هذه الدراسة فإن خسائر الفلسطينيين بسبب سيطرة النظام الصهيوني على الموارد الطبيعية (المياه والغاز الطبيعي والنفط والأراضي الزراعية) تقدر بنحو 2.63 مليار دولار سنوياً.

وفي النهاية تجدر الإشارة إلى أنه منذ ثلاثة عقود، ظل الاقتصاد الفلسطيني والحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين متأثرين باتفاقيات أوسلو وملحقاتها، وخاضعة لقرارات إسرائيل، التي كنظام محتل يسيطر على كافة جوانب الحياة الفلسطينية. وبالإضافة إلى كل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة، لا بد من الإضافة إلى أن هذا النظام المحتل لم يحترم حتى الحلول التي اتخذها أسلافه في شكل الاتفاقيات المختلفة، وأظهر من خلال أفعاله الأخيرة أنه يحاول التغلب على كل ما يمنعه من استغلال الموارد الطبيعية التي وهبها الله للفلسطينيين. و وفقاً لهذه الحقائق فإن مسألة السيادة على غزة تشكل عاملاً مهماً وحيوياً بالنسبة للإسرائيليين، وهو ما يجب على العالم الإسلامي أن يعيه ويواجهه. وتعتزم إسرائيل الانضمام إلى مجموعة المصدرين المهمين للغاز ولاحقا النفط. وفي السنوات العشرين الماضية، تحولت إسرائيل من مجرد مستورد إلى مصدر للغاز، ومع الاحتلال الكامل لغزة، تحاول الاستفادة بشكل أكبر من مواردها الطبيعية. وهنا يتجلى سوء النية والطبيعة الاحتلالية لهذا النظام بوضوح، والعالم كله يشهد هذا الاحتلال بعيون مفتوحة على مصراعيها.

نويد دانشور


[1] https://www.aljazeera.com/news/2023/9/13/what-were-oslo-accords-israel-palestinians
[2] https://www.un.org/unispal/document/auto-insert-186101
[3] https://www.aa.com.tr/tr/dunya/israilin-gazzeye-yonelik-saldirilarinda-olen-filistinli-sayisi-16-bin-248e-yukseldi/3074084
[4] http://fna.ir/3dj85m
[5] http://fna.ir/1scjt3
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال