الصمت العربي .. عار وخزي يلاحقان تلك الدول عبر التاريخ
لم يُكتب للدول العربية منذ نشأة الكيان الصهيوني أي موقف مشرف بحق الفلسطينيين ولو كان بكلمة واحدة أو بموقف كلامي وطبعا هنا نتكلم عن الأنظمة وليس عن الشعوب ظنا منها بأنها تحمي نفسها من أن يطالها شظايا من هذا الكيان ولكنها للأسف تتجرع سم الصمت عن جرائم العدو بهدوء ، لأنها ستنال نصيبها من إجرام الكيان عاجلا أم آجلا.
لطالما اتّسم الموقف العربي من الحرب على غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي بتباين حادّ بين موقف الأنظمة العربية بسبب تفاعل تحالفات إقليمية ودولية أَخَلَّت بفاعلية المنظومة العربية في مجابهة الأزمات والتحديات.
هذا الصمت لا يتعدى كونه أكثر من تعبير عن عجز المنظومة العربية التي حافظت على الشكل والمؤسسات في لقاءات دورية راتبة، في غياب المضمون والروح العربية التي تجسد التطلعات والمصالح الإستراتيجية المشتركة، فهي أشياء اضمحلّت أو تلاشت، وأصبحت في حكم الأمنيات.
حيث اعتبر قيادات المقاومة الفلسطينية أنه ما كان ليتم هذا الاجرام كله لولا الغطاء والصمت الدولي الذي يرفض محاسبة هذا الكيان.
يشهد العالم الذي نعيشه، قتلًا ودمارًا وحشيًا بحق الفلسطينيين ، بينما يقف الجميع متفرجًا على الظالم المجرم المتمثل في الاحتلال الصهيوني، الذي يرتكب كل ما نهت عنه القوانين الدولية وقوانين الأمم المتحدة؛ من إبادة وقتل للمدنيين العزل والأطفال الرضع والعجائز، وقصف للمستشفيات والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس بما في ذلك التابعة للأنروا.
هذا الكيان الغاصب يقوم بالقتل والتدمير وهو في قمة نشوته؛ لعلمه أنه لن يرده أحد، وأنه لن تردعه أية قوانين أو قوى دولية، خاصة أن الأمم المتحدة أصدرت عشرات القرارات ضده لصالح فلسطين، دون أن يُنفذ منها قرار واحد.
لذلك يتفنن المتآمر الخائن في تآمره وخيانته، بينما يقف المتخاذل عاجزًا عن فعل ما يجب، وبينهما يقف أهل العقيدة؛ أهل الشرف والتضحية والصمود والتحدي والإرادة يقاومون ببسالة وشجاعة نادرة.
وقد وصلت سياسة الظالم لأبعد غاياتها في دعم السرطان الحقير -إسرائيل- في قلب الوطن العربي؛ فقام الغرب بقيادة أمريكا بدعمه سياسيًا ودوليًا وماديًا وعسكريًا وبكل الوسائل؛ لكي ينمو ويتوسع ويفرز سمومه بتخريب المنطقة العربية؛ بما يقوم به على مدار أكثر من عام من إبادة للبشر والحجر على أعين العالم، دون رحمة، أو شفقة، أو إنسانية.
ولا يخف على أحد الاستنفار الغربي لمساندة الكيان الصهيوني المحتل ضد أصحاب الأرض والحق من المقاومة الباسلة التي لايتعدى عدد أفرادها 30 ألف مقاتل، بينما يخيم الصمت على الدول العربية؛ ما يشير بجلاء إلى حجم التآمر.
يشن المتآمرون وأذنابهم حملات إعلامية ونفسية ليس لتشويه المقاومة فحسب، بل أيضًا لتشويه كل ما هو صحيح في الوطن العربي؛ وذلك لقتل المعنويات في نفوس الشعوب؛ ما يجعلهم يمثلون أشد خطورة على المنطقة العربية من العدو ذاته.
إنَّ التآمر صفحة سوداء في تاريخ العرب، يتخلل سطورها الخزي والعار بعدم مساندة المقاومة، على الرغم من أنهم يمثلون خامس قوة اقتصادية على مستوى العالم؛ إذ بلغ الناتج القومي العربي في عام 2022 نحو 4.1 تريليون دولار، يذهب منه حوالي 40 % إلى الغرب لشراء سلاح ومعدات، وإنفاق سياحي، وشراء عقارات، ومضاربات على شراء الأندية الأوروبية؛ أي يعملون على تنمية اقتصاديات الغرب التي يذهب منها جزء كبير لدعم الكيان الصهيوني.
ومن أبرز صور التآمر عدم السماح بخروج مظاهرات في الدول العربية لمناصرة غزة؛ لأن انتصار المقاومة يعني إيقاظ الشعوب من غفوتها، والقضاء على عروشهم؛ إذ لو خرجت تلك المظاهرات لجرى قمعها وملاحقة الداعين إليها، بينما في المقابل تعج الشوارع في بقية دول العالم بمظاهرات عارمة تنديدًا بالعدوان الصهيوني، ومطالبةً بوقف هذا العدوان.
على الشعوب العربية إصلاح ذاتها، وغرس العقيدة الصحيحة في النشء، ونشر القيم الإسلامية والفضائل التي تجعل الإنسان يعتز بثقته في نفسه ودينه؛ فبذلك تنهض تلك الشعوب وتفيق من غيبوبتها التي فرضها الاستعمار الغربي بحكام يعملون لصالحه ضد دينهم وأوطانهم.
لقد هزت شرارة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 الثقة في عصابات الاحتلال وحطمت معنوياتهم؛ ما جعلهم في نظر أنفسهم والعالم الأضعف والمعتدي على الحقوق، وجعل المقاومة الأقوى، وفي نظر العالم الظالم المتآمر المتخاذل أنها صاحبة الحق.
استطاعت المقاومة استنزاف قدرات المحتل الصهيوني ووضعته في حجمه الطبيعي، وأحرجت المتآمرين والخونة ووضعت الظالم المجرم في مأزق، وجعلت المتخاذل العاجز يندم لعدم مساندته للمقاومة.
إنَّ العالم يشهد الدمار والصورة المخزية للغاية بأيدي المجرمين، وبمساندة الغرب، وصمت العرب، وتخاذل وعجز المنظمات الدولية المنوط بها حفظ السلام والدفاع عن المظلوم؛ ما جعل الكيان الصهيوني يزيد من إجرامه دون توقف.
لذلك فإنّ مراجعة الموقف العربي في سبيل تحقيق ضغط فعلي لوقف العدوان ومنع الأزمة الإنسانية والمجاعة التي تفتك بأهل غزة في زمن البذخ والترف والاستهلاك، يعد واجب الوقت من جوانب متعددة، أخلاقية وسياسية وإستراتيجية ودينية، وإلا فإن ما يجري بغزة له ارتدادات كبيرة عربيًا وإسلاميًا وإنسانيًا من ناحيتي الوعي والفعل معًا، وعربيًا ستكون آثاره مباشرة على المنظومة القائمة، كما أنه يسجل الخروج الفعلي للعرب من التاريخ.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال