ما تداعيات فوز الصهاينة الفاشيين في الانتخابات “الإسرائيلية”؟ لعلّ الطريقة الفضلى للإحاطة بها هي معرفة ما يقوله عنها اليهود “الإسرائيليون” أنفسهم.
ثمة إجماع بين المعلّقين السياسيين على ان الانتخابات انتهت الى نتيجةٍ مروّعة هي انقسام جمهور الكيان الى يهود عنصريين ويهود “إسرائيليين”. اليهود العنصريون هم الذين صوّتوا لأحزاب اليمين العنصري المتطرف، ولا يكتفون بمعاداة الفلسطينيين بل يعادون أيضاً اليهود “الاسرائيليين” الذين صوّتوا لأحزاب الوسط واليسار ويؤمنون بأنّ “اسرائيل” دولة ديمقراطية تضمّ يهوداً وعرباً، كلهم مواطنون فيها.
ما الفارق بين الفئتين المتنافرتين؟
اليهود العنصريون لا يعتبرون مَن ليس منهم، يهوداً كانوا أم غير يهود، مواطنين متساوين. لعلّ أطرف توصيف لحال الكيان اليوم قول المعلّق السياسي تسفي برئيل في صحيفة “هآرتس” (2022/11/1) “إنّ “اسرائيل” ستتحوّل بقيادة مجرم متهم بقضايا جنائية، يضع قنابله تحت كلِّ مؤسسةٍ ديمقراطية، الى دولةٍ ثنائية القومية، بقوميتين يهوديتين”.
المقصود بتعبير “مجرم متهم بقضايا جنائية” هو زعيم المعارضة المنتصر بنيامين نتنياهو الذي سيصبح رئيساً للحكومة. لكن “هآرتس” تجزم في افتتاحيتها بأنّ “الفائز الأكبر في انتخابات الكنيست الـ 25 هو زعيم حزب “قوة يهودية” إيتمار بن غفير، والخاسر الأكبر هو دولة إسرائيل”.
بن غفير ليس وحده “الفائز الأكبر”. يشاطره اللقب شريكه في قيادة كتلة “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموترتش. الإثنان يناديان بمطالب عنصرية فاشية ضدّ العرب وحتى ضدّ اليهود الذين يرتضون التعامل مع العرب ويصفونهم بأنهم “كارهون لأنفسهم” و”خونة”. في هذا السياق يدعو هذان الصهيونيان الفاشيان، وارثا الحاخام العنصري الأشهر مائير كاهانا، الى ترحيل الفلسطينيين، وتهويد الجليل الذي ما زالت غالبية سكانه عرباً، ومنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية وإنْ كانت حائزة الجنسية “الإسرائيلية”، وإبعاد المشكوك بولائهم لدولة “إسرائيل” الى قطاع غزة، وتوسيع رقعة الاستيطان في الضفة الغربية، وإلغاء اتفاقيات اوسلو، ورفض “حلّ الدولتين”، وإعادة بناء “الهيكل” بعد تدمير المسجد الأقصى.
غير أنّ أخطر ما يطالب به هذان الصهونيان الفاشيان تسلّم وزارات وازنة ذات تأثير في القضايا المتعلقة بالفلسطينيين وأهمّها وزارة الأمن الداخلي الأمر الذي يحرج نتنياهو أمام الرئيس الأميركي جو بايدن، الحريص على مراعاة أصدقائه من القادة العرب المعتدلين. نتنياهو استشعر مبكراً ما ينتظره من مساومات شاقة مع بن غفير وسموترتش فأوعز الى مساعديه بمباشرة التفاوض للتوصل الى تفاهمات معهما قبل منتصف الشهر الجاري وذلك تحسّباً لتعقيدات منتظرة مع حلفائه في تأليف الحكومة الائتلافية العتيدة قد تحمله على المطالبة بتمديد مدة تكليفه المحدّدة بـِ 28 يوماً 14 يوماً إضافياً. واذا تعذّر عليه استكمال عملية التأليف، يصبح من حق رئيس الدولة تكليف عضو كنيست آخر غيره.
بصرف النظر عمّا ستنتهي اليه مفاوضات التأليف فإنّ ثمة توافقاً بين نتنياهو وحلفائه الفاشيين، بحسب أوساط اليسار “الإسرائيلي” المهزوم، على اتخاذ الخطوات المدمّرة الآتية:
ـ إقالة المستشار القانوني للحكومة وإلغاء دوره.
ـ سن “قانون التغلّب” الذي يسمح للكنيست برفض قرارات محكمة العدل العليا وتشريع ما يريد.
ـ إعطاء الكنيست حق اختيار قضاة المحكمة العليا.
ـ تقييد حرية التعبير.
ـ ملاحقة الصحافيين واليساريين بعدما أصبح اليسار في مفهوم اليهود اليمينيين العنصريين عاراً ومسبّة.
الفلسطينيون، لا سيما سكان القدس ومخيمات الضفة الغربية، يعرفون ما ينتظرهم من جهة حكومة نتنياهو العنصرية القادمة، ذلك أنهم عانوا مقدّماتها على أيدي وزراء حكومة يائير لابيد الذاوية. غير أنّ ثمة قناعة راسخة لدى قيادات المقاومة الفلسطينية في الضفة كما في قطاع غزة بأنّ تصعيد الصهاينة الفاشيين لن يزيد الفلسطينيين إلاّ اقتناعاً بأن لا سبيل الى ايّ مهادنة ولا جدوى تالياً من أيّ مفاوضة مع مسؤولي الكيان الصهيوني سواء كانوا يساريين او يمينيين لأنهم جميعاً حريصون مذّ زُرعت “إسرائيل” سنة 1948 على اعتماد نهج الحرب والاستيطان والاقتلاع والتهجير في سياق مخطط متدرّج لاحتلال فلسطين كلها من البحر الى النهر.
ردةُ الفعل المتوقعة من قيادات المقاومة في الضفة هي المضيّ في نهج التنسيق والتوحيد والتصعيد وصولاً الى تعميم انتفاضة واسعة تشمل الأراضي المحتلة كلها بالتعاون مع فصائل المقاومة في قطاع غزة ولاحقاً مع أطراف محور الممانعة والمقاومة.
في المقابل، ستكون الدول العربية التي عقدت مع “إسرائيل” معاهدات صلح أو اتفاقات تطبيع أو تسوياتٍ لترسيم الحدود البحرية معها في حَرَج شديد:
ـ مصر ستشعر بالتأكيد بأنّ أمنها الاقتصادي مهدّد إذا ما أصرّ وزراء تكتل “الصهيونية الدينية”، خصوصاً بن غفير وسمرترتش، على تنفيذ مشروعهم الخطير بإنشاء قناة تربط إيلات على البحر الأحمر بعسقلان على البحر الأبيض المتوسط بمسافة ربما تساوي المسافة بين قناة السويس من شرق مدينة بور سعيد على البحر المتوسط الى جنوب مدينة السويس شمال البحر الأحمر.
ـ الاردن سيتأذى إذا ما تمادى الصهاينة الفاشيون في اضطهاد فلسطينيّي الضفة الغربية بغية ترحيلهم الى أراضيه.
ـ لبنان سيتضرّر كثيراً اذا ما ترجم نتنياهو معارضته الشديدة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية قبل الانتخابات الى إلغائه بعد ترؤسه الحكومة الجديدة. ذلك سيؤدّي حتماً الى ردة فعل عنيفة من المقاومة اللبنانية (حزب الله). أكثر من ذلك، ثمة خشية، على ما يبدو، لدى “إسرائيل” من ان يتطوّر شعور حزب الله بانتصاره عليها وإكراهها على القبول بترسيم الحدود البحرية مع لبنان الى شعورٍ بفائض من القوة حيالها يشجعه على العودة الى التصعيد بشأن القضايا الحدودية التي ما زالت عالقة، وربما الى محاولة استعادة حقل كاريش الذي تستثمره “إسرائيل” حالياً (راجع: “مباط عال”، 2022/10/31)
ثمة مسؤولون، خصوصاً في مصر ولبنان، يعتقدون أنّ الولايات المتحدة، خلال ولاية الرئيس بايدن، لن تسمح لـِ “إسرائيل” بأن تتمادى في تهديد مصالح الدول العربية الحليفة والصديقة. أكثر المرتجين من واشنطن خيراً في هذا المجال المسؤولون اللبنانيون. فقد نسبت وكالة “رويترز” الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قوله إنّ لبنان لا يخشى إلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينه وبين “اسرائيل” لأن الولايات المتحدة قدّمت ضمانات له للحيولة دون إلغائه. كذلك نسبت وكالة “فرانس برس” الى نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب قوله إنّ لبنان حصل على ضمانات أميركية بشأن استمرارية ترسيم الحدود البحرية حتى لو تمكّن بنيامين نتنياهو من تأليف حكومة جديدة بعد الانتخابات.
نتنياهو لم يعلّق على تصريحات المسؤولَين اللبنانييَن بعد، ولا أحد يعرف ماذا سيكون موقفه كما موقف الرئيس بايدن إذا تمكّن الحزب الجمهوري الممالئ لـِ “إسرائيل” من امتلاك أغلبية أعضاء مجلسي الكونغرس في الانتخابات خلال الشهر الحالي. لكن الجميع يعرفون ماذا سيكون موقف حزب الله إذا أقدَم نتنياهو على خرق اتفاق ترسيم الحدود البحرية.
المصدر: البناء
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال