العالم… من أوروبا إلى آسيا يعيش على إيقاع التصعيد الأميركي 39

العالم… من أوروبا إلى آسيا يعيش على إيقاع التصعيد الأميركي

استفزازات أميركية على الصعيدين الدولي والإقليمي، إزاء زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لتايوان، متزامنة مع الحليفة «إسرائيل» بالتعدي في الإقليم، تصعيد متقدّم، توتير العالم برمّته، وآخرون يعيشون قلق الإبادة النووي، ورسائل حازمة متهِمة واشنطن بزعزعة استقرار العالم، وخلفيات سوداوية مدروسة تستنفز صبر بكين في توقيت زيارة بيلوسي المغامرة الغير محسوبة، فما نوع الزيارة التي تقدّمت إليها بيلوسي، وبأيّ هوية وإصرار يمكن فهم رؤية هذه الخطوة؟ وهل التوقيت مناسب لتوتير العلاقة مع الصين، وإلى أين يقود التصعيد الأطلسي؟ فكيف ستردّ الصين؟

منذ لحظة وصول رئيسة مجلس النواب الأميركية نانسي ببلوسي إلى تايوان، لم تهدأ التحليلات السياسية، والإعلامية، ولدى وصولها إلى مطار تايوان قالت: عبر سلسلة من التغريدات إنّ محادثاتها ترتكز على دعم تايوان والمصالح المشتركة، وأضافت إنّ الزيارة تكرّس التزام أميركا الراسخ بدعم الديمقراطية في تايوان.

في المقابل استنكرت الصين التصرفات الأميركية، ووصفتها بالخطيرة جداً، فكيف ستردّ؟ طبعاً يأتي ذلك في تقاطع الموقف الصيني مع إدانة روسية وإيران لاستفزازات واشنطن وحملتها كلّ منهما المسؤولية لتغذية التوتر حول العالم…

فمن أوروبا إلى آسيا استفاق العالم على إيقاع التصعيد الأميركي، وقضية تايوان آخر تصعيد، إذ وصل الاستفزاز إلى تقديم كامل الدعم لتايوان، برغم من الحساسية التي تثيرها، إلا أنها دفعت الأجواء إلى خلل ينتج عنه زعزعة الاستقرار حول العالم، إذ المشهدية هنا أشبه بروسيا التي شهدت طعنة أميركية في خاصرتها الأوكرانية، وما بين روسيا والصين تواصل واشنطن الحصار على طهران مترافقة بسلسلة من العقوبات، للضغط عليها لتوافق على شروطها المزعومة، لتعود للاتفاق، بإلحاح الشروط طبعاً، وهو ما ردّت عليه طهران بوضع مزيد من أجهزة الطرد المركزي، والمتطورات قيد الخدمة حالياً.

و»إسرائيل» الحليفة الأوثق لواشنطن، تمضي قدماً في التوتر بدعم الولايات المتحدة، دعم كامل، تقوم من خلاله التستر على جرائمها واغتيالاتها داخل فلسطين المحتلة، وداخل لبنان من خلال ملف الثروة البحرية، وبالتالي هذه مؤشرات على أننا أمام حالة يومية من التوتير «الإسرائيلي» والأميركي، بعد فشل التحالفات التي روّجت لها، وهذا يؤكد دور التنسيق الكامل، الباعث لزعزعة استقرار العالم بأسره، فيما وسط هذا التصعيد والتأجيج نخشى من انزلاق الأمور، وتحدث عنها الأمين العام للأمم المتحدة وأعرب عن قلقه الجدي من أن يكون العالم على أعتاب الفناء النووي!

نعم نحن مقبلون على مرحلة متقدّمة تدفع بها واشنطن لإشعالها حرب في أوروبا، وها هي اليوم تتوجه بمساعيها الى شرق آسيا، وبين السجال المفتوح والجدل المتصاعد مع الصين، استبقت بكين وواكبت زيارة بيلوسي، ورافقتها برسائل صارمة، وتوعّدت بدفع الثمن باهظاً للولايات، وكأنّ أوّل مؤشر للردّ كان مع بدء المناورات العسكرية للصين حول جزيرة تايوان، وهنا المشهد خطير للغاية في حال انزلقت الأمور، قد يودي للانفجار، وهذا ما تريده الولايات لتعطي دفعاً لدرجة الاستنفار، لأسبابها الداخلية والخارجية المتعلقة منها بالانتخابات النصفية، وكذا فشلها الذريع في كلّ مرة، وهذا قد يكون سلوك سياسة الانتحار، تنتهجه واشنطن بعدائية، وفق إطار التناغم «الإسرائيلي» بتوسيع بقعة التوتر إلى أقصى حدّ، والتفرّد بزيادة توتير المساحة، للعبث بعداد المنطقة .

أما بالنسبة لتوقيت الزيارة وأصلها، يبقى الاستعراض سيد الموقف، تحفظ ماء وجه الولايات المتحدة من الخذلان، لأنّ زيارة بيلوسي ليس لها معنى سياسي حتى ولو كانت تمثل هرم القيادة الأميركية، فالتمثيلية السياسية واضحة لا يمكن لأيّ أحد أن يخفي التصرف الأميركي إزاء هذة الزيارة، فهي غير سائحة ولا زائرة، وبالرغم من ذلك تصرّ عليها، لماذا؟ لأنّ الزيارة تمّ تسويقها سلفاً، وتأخذ واشنطن هذه الخطوة لتتسلح بها، لأنها مقبلة على انتخابات نصفية قد تخسر فيها، مقابل ذلك بايدن على وشك السقوط المدوي، معتبرة بذلك أنها تستعيد عقدة الهمينة، من خلال الفتن المتنقلة، وهذا خطأ ارتكبته واشنطن إزاء الخطوة الاستعراضية التي كلفت بها بيلوسي، ولو كانت مدروسة، ولكنها فضحت المستور وكشفت عناوين استراتيجية الغموض التي تختبئ وراءها، حيث الإخفاقات الكبيرة للسياسة الأميركية وضعتها في مأزق كبير سيكشف عنه لاحقاً، إذ هنا نقطة مهمة وهي دور بيلوسي في تايوان هو كان فخاً لتقع فيه الصين وتجرّها إلى نقطة مشابهة للأزمة الأوكرانية، أيّ بمعنى إذا كانت بيلوسي توجه رسالة للصين مفادها أن لا تتجه إلى المسار التي ذهبت إليه موسكو في أوكرانيا، ما جعل الصين تتريّث في الحسابات السياسية، لكونها تفهم على سياسة واشنطن الامبريالية،

وبالتالي الصين حذرت من اللعب بالنار، ومستعدة للدفاع عن مصالح بلادها، ولو كلفها ذلك بعداً عسكرياً في حال اخترقت واشنطن فضاءها الاستراتيجي، وأيّ سلوك مثير للتوتر، غير مسبوق، قد تكلف الولايات المتحدة ثمن تجييشها، وهذا ما يحذر منه العلماء والخبراء خشية إبادة نووية، فأيّ معطيات ستدفع الأمور باتجاه الانزلاق النووي، ناهيك عن الإجماع الصيني الروسي الإيراني…

 

المصدر: البناء

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال