بين فكّي الكماشة التركية – الصهيونية توضع الجغرافية السورية تحت وطأة غزوات ومذابح وعمليات تدمير مستمرّ للعمران، بحيث لا يلتقط السوريون أنفاسهم، ويظلون تحت رحمة الاعتداءات والغزوات، التي تنهك الاقتصاد وتخلّف في كل موجة عدوان مزيدا من الضحايا والخسائر.
الواضح لمن يفهم أو يدقّق أن الأمر ليس مجرد مصادفات أو تداعيات ميدانية لعمليات أمنية، بل ناتج تخطيط محكم وتناغم مباشر في السر والعلن بين قوتين تتواجدان عسكريا ومخابراتيا في الإقليم، وهما تطوّقان سورية من الشمال والجنوب، النظام التركي والكيان الصهيوني.
الفرضية المتداولة في تفسير التصعيد الجديد للعمليات، هي اعتقاد تل أبيب واسطنبول بأن الحرب الأوكرانية صرفت الاهتمام والقدرات الروسية عن سائر الاهتمامات والالتزامات، وخصوصا في سورية. هذا الرهان ينفيه ويدحضه استمرار الحضور والاهتمام الروسي في سورية، بل إننا نرتقب تصاعدا في وتيرته وحجمه ومداه.
لدى القيادة الروسية ما يكفي من المعلومات والمعطيات عن حساسية الموقع السوري وأهميته وانعكاسه المباشر على البيئة الجيوسياسية القريبة والبعيدة، وواهم من يعتقد أن الرئيس بوتين لا يعرف حكمة كاترين الثانية الأثيرة وعبرة استنتاجها أن مفتاح غرفة نومها في طرطوس.
عبارة كاترين أقامت ربطا استراتيجيا بين سورية وروسيا برمزية غرفة نومها، كناية عن شرف روسيا. وهذه العبرة قائمة ومستمرة بتوالي عهود وحكومات وتعاقبها في البلدين، فهي نتاج الجغرافيا والتاريخ وعصارة توازنات ومعادلات يحكمها القدر الجيوسياسي.
لا نتوهم موقفا روسيا صلبا يتخطى المتداول والمعلوم تقليديا ضد العدو الصهيوني، وإن كنّا نتمناه وننشده ونكتفي بأن تكون موسكو أول الشاجبين والمستنكرين على قاعدة احترام سيادة الدولة السورية على ترابها الوطني. ويقينا، إن مسلسل اتفاقات العار العربية أسقط عامل التحسّس الدولي لمخاطر العربدة الصهيونية في المنطقة والعالم.
التمسحة الخيانية العربية استجلبت المزيد من التمادي العدواني، وحفّزت التكالب، الذي نشهده. فحتى بيانات أضعف الإيمان لم تعد واردة أو منتظرة بعد تبخّر الوازع السياسي أو الأخلاقي واندثاره وشيوع العهر في شتّى البقاع والعواصم، التي أصدرت فتاوى في الصلح والتعامل، ولاقت البعثات الصهيونية بحفاوة غير مسبوقة، تزلفا لواشنطن الراعية والحامية لجميع حكومات العار العربية.
لا يمكن لنا ألا نسأل عن الموقف الإيراني. فإيران هي دولة شقيقة تربطها بسورية علاقات استراتيجية وثيقة، وهي دولة مهابة ومؤثرة في الإقليم بقدر ما تملكه من قدرات وإمكانات، تعرفها تركيا جيدا وتتحاشى الاحتكاك بها. رغم التباعد والتمايز السياسي والتجاور الجغرافي في سورية، نفترض أن ايران تقدم حسابها المشترك مع الشقيق الحليف والشريك في محور المقاومة على الجار التركي الأطلسي. فالدور التركي ليس منفصلا أمنيا أو سياسيا واقتصاديا، بل هو امتداد استراتيجي أميركي أطلسي، واستطالة عضوية لمنظومة الهيمنة والاستتباع.
العدوان التركي يختزن أطماعا وتطلعات كثيرة، يعززها انتفاخ عنجهي وتشوّف، يعلم الأشقاء الإيرانيون ما يُخفى خلفه من عمالة وانصياع للأوامر الأميركية في الكبيرة والصغيرة من شؤون المنطقة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني وأطراف محور المقاومة. ولدينا يقين بأن الشقيقة إيران لا تنخدع بالأقنعة والهويات المنتحلة لتسويق المواقف التركية والمصالح التجارية التركية، وهي ليست سوى ظلال متصلة بالهيمنة الأميركية الصهيونية ومشاريعها في المنطقة.
غالب قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال