ما كان ينقص المشهد في المناطق السورية، التي احتلتها القوات التركية، سوى شبهة الإحلال السكاني، الذي لاحت نذره الفاضحة لحقيقة نوايا أنقرة الخبيثة، وشهيتها لوضع اليد على مناطق مهمة من سورية بالقوة العسكرية ثم تتريكها سكانيا، بحيث تُمحى معالم هويتها العربية السورية بتقادم الأمر الواقع.
هذا النهج ملازم لتاريخ تركيا العدواني ضد سورية منذ احتلال لواء اسكندرون وضمّه، وهو باق في ذاكرة السوريين ووجدانهم رغم ما شهده من تتريك وإحلال سكاني على مدى عقود. وسيبقى تحريره واسترجاعه الى حضن الوطن غاية سورية جامعة، لا يضعفها اختلاف الآراء والميول والاتجاهات السياسية والعقائدية.
يتذكّر أيّ سوري اليوم مصطلح اللواء السليب، وهو يتابع فصول العدوان التركي على بلاده المستنزفة في مجموعة حروب واعتداءات، وتدخلات تحيط بها وتخترق حدودها وتطال مناطق متعدّدة من الأنحاء السورية. بل إن ثمّة من يستحضر شبح العثماني القبيح وعهود استعماره لبلدان المشرق بكلّ ما فيها من بربرية وتوحّش انكشاري.
اللافت ان جهات صديقة بالكاد تصدر احتجاجا أو لوما، وتصمت تحت الابتزاز التركي، فلا يفهم المتابع العادي ولا يتفهّم، على سبيل المثال لا الحصر، أن تستمرّ العلاقات الروسية التركية. ففي جريها المألوف من غير إشارة غضب أو لوم على الأقل. ولنا ملء الحقّ والمشروعية في ارتقاب وتمنّي مبادرة عسكرية روسية تحذيرية رمزية. وموسكو لا تحتاج الى أكثر من التحذير والإنذار لإكراه المعتدي على الانكفاء والتراجع.
إن الأمر خطير للغاية، ويطال مستقبل سورية وواقعها الراهن. فالحركة العسكرية التركية في الميدان السوري تحوّل مزيدا من المناطق نتفا ممزّقة ومتناثرة. وهذا التفكيك المنهجي للوحدة الكيانية السورية، هو من أخطر مظاهر العدوان الاستعماري الواسع، الذي تندمج في سياقه، وتنبثق عنه حروب وتدخلات متشعّبة متعدّدة الأشكال.
يشترك في الحرب على سورية، بل الحروب، وبقيادة أميركية أطلسية، كلٌّ من النظام التركي والكيان الصهيوني، وكلاهما شريك عضوي للإمبراطورية الاستعمارية الأميركية، التي تتواجد وحدات مقاتلة من نخبة جيشها في بعض الأنحاء السورية الغنية بالنفط.
إننا ننظر بكل احترام لمواقف إيران الشقيقة وتضحياتها اتجاه سورية وعلى أرضها، التي رواها شهداء ايرانيون في ميادين الدفاع، لكننا ندرك أن في مقدرة إيران التأثير على تركيا اقتصاديا وسياسيا، ونعلم أن انقرة تحسب جيدا لتلك المصالح وتحرص عليها.
مجرّد التلويح الإيراني، همسا لا جهارا، قد يكون رادعا ومدعاة انكفاء تركي، وهو ما يصحّ كذلك على الموقف الروسي وفاعليته وتأثيره. فبكل محبة وصداقة وأخوة من موقع الحلف والشراكة، كفى لقاءات واتصالات مع المعتدي التركي دون ضرب اليد على الطاولة أيها الحلفاء والأشقاء الروس والإيرانيون، فأنتم الأقدر على ردعه وثنيه عن التمادي.
إن السبيل الأجدى، كما نقترح، هو لقاء إيراني روسي سوري، يتخذ القرارات والمواقف المناسبة لردع العدوان وتنسيق الخطوات الديبلوماسية والسياسية والإعلامية، يضع خطة للتحرّك المشترك. ونقترح أن يُعقد في دمشق لإعطاء زخم للموقف والخطوات التي ستليه وتُبنى عليه .
لقد آثرنا عدم إدراج البعد العسكري، فالأصدقاء الروس والإيرانيون بصورة مباشرة، منفردين ومجتمعين، قدّموا ويقدمون الكثير من الجهود والتضحيات، وفق أولويات وحسابات منسقة مع القيادة السورية، وكان لها فضل كبير حتى اليوم في حاصل ميداني ظاهر، وخلّفت أثرا معنويا وسياسيا طيبا، سيحفظه السوريون وكل عربي شريف بامتنان واحترام.
غالب قنديل
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال