شهدت أكبر ثلاث مدن عراقية، وهي العاصمة بغداد والبصرة ونينوى، يوم الجمعة الماضي، تظاهرات جماهيرية حاشدة تحت شعار “الشعب يحمي الدولة والدستور”، دعت وحشدت إليها قوى الإطار التنسيقي. وهذه التظاهرات هي الثانية من نوعها بعد تظاهرات الأول من اب-اغسطس الجاري، أمام احدى بوابات المنطقة الخضراء، التي تضم أغلب المؤسسات التشريعية والقضائية والأمنية والعسكرية الرسمية للدولة. وقد تميّزت التظاهرات الأخيرة، بأنها لم تقتصر على العاصمة، وإنما امتدت إلى مساحات أخرى من شمال وجنوب البلاد، واتسمت بالسلمية، بحيث لم تتخللها أي مظاهر عنف أو تصادم مع القوات والأجهزة الأمنية الحكومية، وشهدت مشاركة مختلف أطياف المجتمع العراقي، إلى جانب أعداد كبيرة من أتباع المرجعية الدينية، وتركزت الشعارت المرفوعة فيها على دعم وحماية الدولة، وأهمية الالتزام والتقيّد بالدستور، والإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية عبر الحوار الجاد والبناء بين مختلف القوى السياسية، إلى جانب التأكيد على طاعة المرجعية الدينية والتقيّد بأوامرها.
وقد تضمن البيان الختامي للتظاهرات إضافة مجمل النقاط المشار إليها، الدعم التام للقضاء العراقي ورفض أيّ تجاوز عليه، ومطالبة رئيس مجلس النواب بإنهاء تعليق العمل والتحرك لإخلاء المجلس، وكذلك مطالبة القوى السياسية وخصوصًا الكردية بالتعجيل في حسم مرشح رئاسة الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة الجديدة.
والمستجد الآخر في تظاهرات الإطار التنسيقي، أنها تحولت إلى اعتصام مفتوح، في خطوة اعتبرها المراقبون ردًا على الاعتصام المفتوح للتيار الصدري في مبنى البرلمان العراقي، الذي دخل أسبوعه الثالث.
* حراك الإطار التنسيقي.. لمنع الانزلاق
البعض رأى في الحراك الجماهيري لقوى الاطار التنسيقي المعزز لحراكه السياسي، نوعًا من التصعيد وإثبات الحضور القوي في مقابل حراك التيار الصدري، الذي بدا أنه سائر نحو التوسع والامتداد إلى مساحات أكبر من مساحاته الحالية. وأكثر من ذلك، ذهب هذا البعض الى أن حراك الاطار يمكن أن يكون بمثابة خطوات تصعيدية نحو التصادم المباشر مع حراك التيار، لا سيّما وأن مواقف الطرفين ما زالت متباينة إلى حد كبير، والبون شاسع بينهما، والحملات السياسية والاعلامية المتبادلة على اشدها.
في مقابل ذلك، تعتقد أوساط سياسية ونخب مجتمعية وقطاعات واسعة من الرأي العام، أن تظاهرات الإطار بثقلها العددي الكبير وطابعها السلمي ومطالبها الواضحة والمنطقية، يمكن أن تكون بمثابة كوابح ومحددات تمنع من الانزلاق نحو الفوضى وتفكك الدولة والاضطراب السياسي والمجتمعي، إلى جانب تأطير المطالب السياسية والشعبية ضمن حدود الدستور والقانون.
ولعل مجمل التصريحات والبيانات التي صدرت عن قادة الاطار التنسيقي، ومواقف قوى وشخصيات أخرى من خارجه، تمحورت وتركزت حول ضرورة الحوار الايجابي بين الفرقاء، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وتجنب القفز على الدستور، وعدم الشروع بأي خطوات اصلاحية وتصحيحية إلا من خلاله.
ففي الوقت الذي أكد فيه رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي “أن هذه التظاهرات عبّرت عن تفاعل جماهيري كبير لمواقف الاطار الشيعي، وبعثت رسالة واضحة أن الجماهير العراقية بتوجهاتها تفاعلت مع الدفاع عن شرعية الدولة، كما بعثت رسالة أخرى للمكونات السياسية أن تعالوا إلى كلمة سواء لعبور الأزمة لاجتناب تعطيل الحكومة”، شدّد الأمين العام لحركة “عصائب أهل الحق” الشيخ قيس الخزعلي على وجوب الإسراع بانعقاد مجلس النواب ليقوم بواجباته التي أهمها معالجة موضوع الموازنة، محذرًا من “أن بقاء قانون الموازنة على وضعه الحالي خطر كبير لأن هذه الحكومة لا يمكنها دفع الرواتب خلال السنة القادمة، ومصلحة العراق أهم منا جميعًا ويجب تقديم غاية شعب العراق على مصالحنا الخاصة”. أما المجلس الأعلى الاسلامي العراقي، فعبّر من خلال تصريحات اعلامية لناطقه الرسمي “أن قوى الاطار التنسيقي ومن خلفها الشعب حريصة على أن تسير العملية السياسية ضمن مسيرها الدستوري، وأن القواسم المشتركة التي بنيت عليها العملية السياسية معرضة للخطر، ونحن أمام صورة مخيفة فالكل يذهب الى المجهول من خلال ممارسات تريد أن تفرض رأي جهة سياسية واحدة، وأن هناك أساسًا اسمه الدستور، العرف السياسي، القانون، والاجماع الوطني، لا يمكن أن نذهب بكل القواسم المشتركة من أجل فرض ارادة جهة سياسية على كل الشركاء”.
وبعيدًا عن الاطار، فإن قوى وشخصيات سياسية مدنية وكردية وسنّية، أعربت عن تأييدها لمطلب حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة أخرى، ولكن بشرط الاحتكام والركون إلى الدستور، باعتباره الإطار الجامع لكل العناوين والمسمّيات. فعلى سبيل المثال، دعا رئيس ائتلاف الوطنية اياد علاوي إلى “عقد جلسة لمجلس النواب في أي مكانٍ في العراق بحضور رئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية لاختيار أو تثبيت رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تمهد لإجراء انتخاباتٍ مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة”، معتبرًا أنه “بخلاف ذلك ستزداد الأوضاع سوءًا وتتدهور إلى ما لا تحمد عقباه”.
* ماذا بعد إعلان مجلس القضاء الأعلى عدم صلاحيته لحل مجلس النواب؟
ومن غير الواضح إلى أين ستتجه الأمور بعد اعلان مجلس القضاء الأعلى بشكل رسمي أنه “لا يملك الصلاحية لحل مجلس النواب، ذلك أن مهامه محددة بموجب المادة (3) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017، والتي بمجملها تتعلق بادارة القضاء فقط وليس من بينها أي صلاحية تجيز للقضاء التدخل بأمور السلطتين التشريعية أو التنفيذية تطبيقًا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية المنصوص عليه في المادة (47) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005”.
ودعا مجلس القضاء الأعلى الجهات السياسية والاعلامية كافة إلى “عدم زج القضاء في الخصومات والمنافسات السياسية”، مشددًا على أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، لأن الأساس الذي يرتكز عليه هو “تطبيق الدستور والقانون، وهذه قواعد عامة تنطبق على الجميع بنفس المعيار وغير قابلة للاجتهاد أو التأويل”.
هذه المواقف والحقائق والمعطيات وغيرها، تؤكد بما لا يقبل الشك، أن أقصر وأفضل الطرق لحل الأزمة السياسية الخانقة في العراق، تتمثل في الجلوس على طاولة الحوار وترك خيار التوسل والتلويح بأدوات ووسائل القوة، لأنه لن يكون هناك رابح وخاسر حينذاك، بل إن الخسائر سوف تلحق بالجميع، بينما الحوار سيقلص حجم الخسائر والاستحقاقات على الجميع، ويعزز فرصهم بالمكاسب والأرباح.
بغداد – عادل الجبوري
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال