الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر ووقع يوم الاثنين الماضي في جنوب تركيا، إضافةً إلى أنه ضرب أيضًا أجزاءً من سوريا، ألحق بهذا البلد خسائر وأضرارًا جسيمة أيضًا.
وحسب الإحصائيات الرسمية، فقد قتل جراء الزلزال الذي ضرب سوريا أكثر من 1400 شخص، وأصيب 2400 آخرين، وحسب حجم الدمار، فقد ترك مئات الأشخاص تحت الأنقاض، وهناك احتمال زيادة عدد الضحايا.
وعلى الرغم من أن الخسائر والأضرار التي لحقت بتركيا جراء الزلزال أكبر من الخسائر في سوريا، إلا أن تدفق المساعدات الدولية لهذا البلد جعل عملية الإغاثة تتم بشكل أسرع، لكن الوضع في سوريا معقد.
وحسب المصادر، فإن عدد الدول التي قدمت مساعدات لتركيا وصل إلى 62 فريقًا من 50 دولة، كما أن هذه المساعدات أثرت بقوة على مساعدة المنکوبين بالقياس إلی الزلزال الذي ضرب سوريا، لكن أمريكا أصبحت عقبةً خطيرةً في طريق المساعدات الإنسانية. وقد أظهر الزلزال الأخير أن مزاعم الغرب بشأن حقوق الإنسان في دعم الشعب السوري، ما هي إلا كذبة.
أمريكا، التي حاولت الإطاحة بالحكومة السورية بمساعدة أوروبا وحلفائها في المنطقة في العقد الماضي، ليست مستعدةً للتراجع عن مواقفها المعادية للإنسان حتى بعد هذا الزلزال المدمر في هذا البلد.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفي اتصال هاتفي مع الرئيس التركي، أعلن استعداد بلاده لمساعدة ضحايا الزلزال، لكنه لم يتخذ أي موقف حيال الزلزال في سوريا، ولم يعرب حتى عن تعاطف شکلي.
حتى أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ومن أجل التستر على تسييس بلاده للزلزال في سوريا، زعم: "لا يمكننا التواصل مع الحكومة التي هاجمت شعبها في سوريا. في المقابل، نساعد هذا البلد من خلال المنظمات غير الحكومية الموجودة في سوريا".
معظم أضرار الزلزال السوري ناجمة عن آثار العقوبات
في مثل هذا الوضع البائس الذي أحدثه الزلزال في المدن السورية، تظهر آثار العقوبات القاسية التي فرضتها أمريكا بوضوح مرةً أخرى. لأن قسمًا كبيرًا من المباني المدمرة في سوريا، كان بسبب الأضرار التي لحقت بهذه المباني خلال الحرب الأهلية، ولو أعيد بناؤها بالاستثمار والدعم الأجنبي، لما تسبب الزلزال في سقوط الكثير من الضحايا والأضرار في سوريا.
لقد أجبرت آثار الحرب المدنيين على العيش في مبان متضررة أو شبه مدمرة، وحالة هذه المباني هي حيث أنها تنهار حتى مع زلزال منخفض القوة، فكيف الحال مع زلزال بقوة 7.8 درجات، لذلك، فإن جزءًا من معاناة الشعب السوري بعد الزلزال، يعود إلى آثار العقوبات التي فرضتها أمريكا والغرب على هذا البلد.
فرض قانون "قيصر"، الذي وافق عليه الكونغرس الأمريكي في كانون الأول 2019، عقوبات على الحكومات والشركات والأفراد الذين يقدمون بشكل مباشر أو غير مباشر مساعدات مالية وعسكرية للحكومة السورية، أو يعملون في مجالات النفط والغاز الطبيعي والطائرات العسكرية والبناء في هذا البلد.
وإضافة إلى ممارسة الضغط على القطاعات الرئيسية للاقتصاد السوري، يستهدف قانون قيصر أيضًا الاستثمار الأجنبي والبنك المركزي في البلاد. وبسبب هذه العقوبات التي فرضتها الحكومة الأمريكية، لا توجد الآن أي شركات طيران أو منظمات دولية غير حكومية لديها الرغبة في دخول سوريا ومساعدة ضحايا الزلزال، لأنهم يخشون تداعيات العقوبات الأمريكية. کما لم تظهر الولايات المتحدة أي رد فعل لإظهار أن المساعدات الخارجية يمکن أن تتدفق إلى سوريا، على الأقل لفترة زمنية معينة وحتى نهاية إغاثة وإنقاذ الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض.
إيران وروسيا فقط أعلنتا عن استعدادهما لإرسال مساعدات إنسانية وعاملين إغاثة إلى سوريا، وتوجهت فرق من روسيا وإيران إلى هذا البلد لمساعدة ضحايا الزلزال. وقال مصطفى بن لمليح، منسق الأنشطة الإنسانية في الأمم المتحدة، إن الأضرار التي لحقت بالطرق ونقص الوقود وبرودة طقس الشتاء في سوريا، تعيق استجابة هذه المنظمة لضحايا الزلزال السوري. وأضاف إن الأمم المتحدة تحاول حشد كل المساعدات التي يمكنها إرسالها إلى المناطق المتضررة في أسرع وقت ممكن.
وتقول الأمم المتحدة إن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية أکبر من أي وقت مضى، حيث يحتاج 70٪ من الشعب السوري إلى المساعدة. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن الوضع في سوريا معقد للغاية ويحتاج إلى مساعدة عاجلة.
وبسبب عمق الكارثة التي سببها الزلزال، طلبت وزارة الخارجية السورية من الأمم المتحدة ووكالاتها واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية الأخرى المساعدة في التعامل مع تداعيات هذا الزلزال المدمر.
وعقد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الاثنين الماضي، اجتماعاً مع ممثلين عن وكالات الأمم المتحدة ومكاتبها في سوريا ومنظمات غير حكومية، وقال إن العقوبات الأمريكية القاسية ستزيد من تداعيات كارثة الزلزال. في الوقت نفسه، طالب مجلس كنائس الشرق الأوسط بالإلغاء الفوري للعقوبات المفروضة على سوريا، والسماح بدخول المساعدات إلى هذا البلد.
توقيت هذا الزلزال يختلف عن الفترات الأخرى، ويتطلب مساعدةً دوليةً لمعالجة أوضاع الضحايا بأسرع وقت ممكن، لكن سوريا محرومة من ذلك بسبب التصرفات غير الإنسانية للغربيين.
في السنوات الـ 12 الماضية، حوّل الإرهابيون العديد من مناطق هذا البلد إلى أنقاض، ولهذا تواجه الحكومة السورية أزمة رأس المال لإعادة بناء الأضرار التي سببتها الحرب. وفي الوضع الحالي، ليس لديها ما يكفي من القوة وحدها لمساعدة ضحايا الزلزال.
وإذا لم تكن هناك عقوبات، لکانت الحكومة السورية قادرةً على جني الدخل من النقد الأجنبي من خلال التفاعلات التجارية وبيع مواردها النفطية، كما كان الحال قبل الأزمة، وکانت قادرةً على حل المشاكل التي سببتها الحرب. لكن الولايات المتحدة تجاهلت هذه القضية، وبدلاً من ذلك سرقت ملايين الدولارات جراء بيع النفط السوري، وهي أموال للحكومة والشعب السوريين وكان ينبغي إنفاقها على هذا البلد.
العقوبات الأمريكية جعلت شبكة الرعاية الصحية السورية تواجه أزمةً هائلةً أيضًا، ونظرًا لتدمير العديد من البنى التحتية للرعاية الصحية في سوريا خلال الأزمة وهي بحاجة إلى إصلاح وإعادة بناء، ولكن بسبب نقص رأس المال والدعم الأجنبي بسبب العقوبات، لا يزال الأمر دون حل. والآن، مع وقوع الزلزال، أصبح الوضع أسوأ بكثير من ذي قبل، ويحتاج الأمر إلى مساعدة عالمية واسعة النطاق لحل بعض هذه المشاكل.
وفي هذا الصدد، قال خالد عرقسوسي، أمين عام الهلال الأحمر السوري: "إننا نواجه نقصًا حادًا في المعدات الخاصة بعمليات إزالة الأنقاض والأدوية والوقود اللازم للمستشفيات".
وزارة الصحة السورية قدرت حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي بسبب الحرب بمليارات الليرات، وبناءً على ذلك، تم تدمير 38 مستشفى بالكامل. لذلك، في حال عدم تطبيق العقوبات الغربية، يمكن للمستثمرين الأجانب دخول سوريا وتقليل بعض هذه المشاكل حتى لا يواجهوا كارثةً إنسانيةً أثناء الزلزال.
والآن، أدى نقص الخدمات الصحية والطبية إلى زيادة صعوبة مساعدة الجرحى، وقد يموت بعض الأشخاص بسبب هذا النقص الطبي، ودور العقوبات في هذه الجريمة واضح جداً.
ترفض العديد من شركات الطيران دخول المطارات السورية بسبب مخاوف من العقوبات الأمريكية والأوروبية، وطالبت عدة دول شركات طيران سورية بنقل مساعدات بطائرات مدنية، ومن المفترض أن يتم إرسال جزء من هذه المساعدات إلى دمشق وحلب واللاذقية.
من الضروري الآن أن يتوجه الصليب الأحمر وشركات النقل إلى سوريا لتقديم المساعدة، لأنه كلما طال أمد هذه الأزمة، زاد عدد الأشخاص المحاصرين تحت الأنقاض ليصبحوا ضحايا للزلزال، رغم أن أمريكا أظهرت خلال الأزمة السورية أنها لا تهتم بحياة الإنسان في سوريا، وتدعم الجماعات الإرهابية بكل قوتها لتحقيق أهدافها ورغباتها.
لقد خلفت الحرب التي بدأها الغرب حتى الآن أكثر من 500 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، وهذه الإبادة الجماعية لا قيمة لها بالنسبة لسلطات واشنطن. والآن بعد أن واجهت سوريا هذه الكارثة الطبيعية، إذا تمت إضافة آلاف الأشخاص إلى هذا العدد، فلن يکون لهذا الأمر أدنی أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.
جرائم الكيان الصهيوني تعيق وصول المساعدات
إلى جانب العقوبات الأمريكية، كانت جرائم الكيان الصهيوني في سوريا مؤثرةً أيضًا في توسيع أبعاد الكارثة الإنسانية التي سببها الزلزال.
لقد نفذ الکيان الصهيوني خلال السنوات القليلة الماضية، عشرات الهجمات على المطارات السورية دعماً للإرهابيين، منها مطار دمشق الدولي، ومطار T4 في محافظة حمص، ومطاري حلب واللاذقية، وأجزاء من هذه المطارات ما زالت مدمرةً، وحتى أثناء الهجمات توقفت أنشطتها لعدة أيام.
الحكومة السورية لا تملك رأس المال اللازم لإعادة بناء هذه المطارات، وبسبب ذلك واجهت طرق المساعدات الجوية إلى سوريا والنقل والتجارة الدولية تحديات خطيرة في السنوات الأخيرة.
لأنه إذا تمت إعادة بناء هذه المطارات بالكامل ولم تكن هناك مشكلة في مسار الرحلات، لكان من الممكن تقديم المساعدة الجوية بشكل أسرع لمنع زيادة الخسائر في الأرواح. لكن جرائم الصهاينة المستمرة خلقت العديد من المشاكل، وهذا الکيان مع واشنطن يساهم في مزيد من معاناة الشعب السوري.
المشيخات العربية على طريق المصالحة
رغم أن الدول العربية قطعت علاقاتها مع دمشق خلال الأزمة السورية، تماشياً مع السياسات الأمريكية، ولكن مع وقوع الزلزال الرهيب فصل بعض القادة العرب مسألة التوتر السياسي عن المساعدات الإنسانية، ويحاولون مساعدة ضحايا سوريا.
وفي هذا السياق، أعرب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن تعازيه في وفاة المئات من ضحايا الزلزال المدمر في سوريا، وطالب المجتمع الدولي بتقديم المساعدة اللازمة لضحايا هذه الكارثة الإنسانية.
کما أعلن محمد بن زايد، حاكم الإمارات، في اتصال هاتفي مع الرئيس السوري، أنه مستعد لمساعدة ضحايا الزلزال. بدوره أعرب هيثم بن طارق سلطان عمان عن تعازيه لبشار الأسد في هذه الكارثة الطبيعية.
العراق، الذي تربطه علاقات ودية مع الحكومة السورية، أرسل ستين طناً من المواد الغذائية والأدوية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، وأعلن الهلال الأحمر لهذا البلد أن هذه هي المرحلة الأولى من المساعدات لضحايا الزلزال، وسيتم إرسال المزيد من المساعدات قريبًا.
ومن بين رسائل التعزية للحكومة السورية حدث نادر، وهو الاتصال الهاتفي لملك البحرين برئيس سوريا. حيث أكد حمد بن عيسى آل خليفة، بعد إعرابه عن تعاطفه مع رئيس وشعب سوريا، ومتمنياً الرحمة للقتلى والشفاء العاجل للجرحى، استعداد بلاده لمساعدة ودعم جهود الحكومة السورية لتجاوز تداعيات هذه المأساة.
قطعت البحرين العلاقات مع الحكومة السورية منذ عام 2011، لكنها تجري محادثات مع السلطات السورية لأول مرة منذ 12 عامًا، ويمكن أن تكون المكالمة الهاتفية لعاهل البحرين بسبب الزلزال، مقدمةً لتطبيع العلاقات في المستقبل.
في السنوات الثلاث الماضية، استأنفت بعض الدول العربية، بما في ذلك الإمارات، علاقاتها مع سوريا، كما أعلن بعض العرب استعدادهم للتطبيع. لذلك، ربما تصبح الكارثة الطبيعية مقدمةً لعودة العلاقات بين دمشق والمشيخات العربية، وبعد سنوات من التوتر يعود القادة العرب إلى أحضان سوريا.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال