لم يتوقع العدو أن تواصل "سرايا القدس" القتال في معركة "ثأر الأحرار" أكثر من يومين، وأن تمتد المعركة إلى 5 أيام. وإذا كان قد نجح تكتيكياً في اغتيال 6 من قادة "سرايا القدس"، فإنه فشل استراتيجياً في التنبؤ بقدراتها وصلابة مقاتليها.
هذا الفشل نابع من جهل العدو بالعقيدة القتالية لمجاهدي “سرايا القدس” والمقاومة الفلسطينية الوطنية ذات المرجعية الإسلامية. لذلك، كان من المفيد إلقاء الضوء على تلك العقيدة القتالية.
العقيدة القتالية هي نسق فكري ينظم المفاهيم والمبادئ القتالية للجيوش النظامية أو حركات التحرر الوطنية. وفي القضية المقاومة الفلسطينية كحركة تحرر وطني، هي الأفكار الأساسية التي توجه العمل العسكري الفدائي المقاوم، و”سرايا القدس” كجزء مركزي في المقاومة الفلسطينية لديها عقيدة قتالية مستمدة من الفكر الجهادي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ببعديها الإسلامي والوطني، وأيضاً هي امتداد للجهاز العسكري للحركة الذي كان يحمل اسم “القوى الإسلامية المجاهدة”، المعروفة اختصاراً بـ”قسم”، قبل أن يحمل اسم “سرايا القدس”. وقد نفذ “قسم” عدداً من العمليات الاستشهادية النوعية، أبرزها عملية بيت ليد المزدوجة، وهذا ينعكس على مصادر العقيدة العسكرية للحركة وذراعها العسكرية.
من أهمّ مصادر العقيدة العسكرية لـ”سرايا القدس” كإطار مرجعي يوجه المجاهدين هو الإسلام كدين استمدت منه النظرية الثورية للحركة، وفي قلبها عقيدة الجهاد في سبيل الله، التي تجعل هدف كل مقاتل النصر أو الشهادة ابتغاء مرضاة الله. ويدخل في صلب عقيدة الجهاد الدفاع عن الوطن وتحريره إذا احتل. ومن أهم مصادر تلك العقيدة التراث النضالي للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية منذ بدء المقاومة ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني بما يحمله من مخزون ثوري وتراكم كفاحي وقيم وطنية.
والمصدر الثالث هو التراث النضالي العالمي لحركات التحرر الوطنية ضد الاستعمار والاستكبار والظلم، وخصوصاً تلك التي اتبعت استراتيجية حرب العصابات وحرب الشعب المُسلحة طويلة الأمد لاستنزاف العدو ومراكمة الإنجازات والانتصارات، وصولاً إلى النصر النهائي.
جهاد التحرير في فلسطين له أهمية خاصة في العقيدة القتالية لمجاهدي فلسطين، وخصوصاً في “سرايا القدس”، لأن حركة الجهاد الإسلامي تجاوزت الرؤية التقليدية للحركة الإسلامية، فاعتبرتها قضية الأمة المركزية، انطلاقاً من قراءة واعية لموقع فلسطين في القرآن والتاريخ والواقع، فالقتال لتحريرها، إضافةً إلى كونه فريضة دينية وواجباً شرعياً كأرض محتلة، هو جزء مركزي من مشروع نهضة الأمة ضد المشروع الغربي الاستعماري، فقضية فلسطين ترتبط مصيرياً بكلّ قضايا العرب المسلمين، ولن يتحرر العرب والمسلمون من واقع التجزئة والتخلف والتبعية ما لم تتحرر فلسطين، فتغير حال الأمة نحو الأفضل وتحرير فلسطين أمران متكاملان. بهذا الفهم، يذهب مقاتلو “سرايا القدس” إلى القتال كواجب ديني، كما يذهبون إلى الصلاة.
ومن أهمّ مرتكزات العقيدة القتالية لـ”سرايا القدس” كحركة مقاومة وطنية بمرجعية إسلامية هو مفهوم النصر والهزيمة، فلا شكّ في أنّ النّصر النّهائي للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ومقاومته الشعبية هو تحرير كل فلسطين من الاحتلال وإزالة الكيان الصهيوني من الوجود.
وقد انعكست العقيدة القتالية على القتال الميداني من خلال القتال على نقطة صفر، التي قدم فيها مجاهدو “سرايا القدس” نماذج رائعة في العمليات النوعية، على الرغم من قلة الإمكانات ونوعيتها مقارنة بالعدو، والاعتماد على المقاتلين الاستشهاديين في تنفيذ المهام أثناء المعارك، من إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون والصواريخ الموجهة تحت أعين العدو وطائراته، وجاهزية المقاتلين للشهادة أثناء المعارك، والقتال حتى الشهادة في كل المواضع التي خُير فيها المجاهدون بين الاستسلام والشهادة، فكان خيار المجاهدين هو المواجهة حتى الطلقة الأخيرة، وهو ما ظهر جلياً في الضفة الغربية وفي غزة وفي كل المواجهات التي فُرض فيها الخيار بالاستسلام أو الشهادة.
المصدر: الميادين
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال