منذ أن بدأ الكيان الصهيوني بشن حملاته على قطاع غزة حافظت بعض الدول في المنطقة على علاقاتها التجارية الطبيعية مع هذا الكيان، على الرغم من التوترات المتزايدة واللغة القاسية التي تُستخدم ضده ومن بين هذه الدول تركيا التي تعتبر من البلدان التي على الرغم من إدراكها لما وصفته بأنه إبادة جماعية وجرائم حرب تُمارس في غزة ورغم وصف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بـ "جزار غزة" واعتبارها إسرائيل دولة إرهابية إلا أنها استمرت في الحفاظ على علاقاتها الطبيعية مع الكيان الصهيوني. كما ساهمت تركيا في دعم تل أبيب لتجاوز حصار اليمن وزيادة صادراتها العامة إلى الكيان الصهيوني وتؤدي دورًا محوريًا في نقل النفط مما يساهم بشكل كبير في ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي.
تُعتبر تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف رسميًا بإسرائيل، وقد أعربت دبلوماسيًا عدة مرات عن إدانتها للإجراءات العسكرية الإسرائيلية في غزة مطالبةً باتخاذ إجراءات دولية أكثر صرامة لدعم الفلسطينيين. وقد حظيت تصريحات أردوغان المناهضة لإسرائيل باهتمام كبير على المستوى الإسلامي.
تُعرف تركيا كمدافع صارم عن حقوق الفلسطينيين وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكن على الرغم من تصريحات أردوغان وحكومته بشأن تعليق العلاقات العسكرية والتجارية مع إسرائيل فقد توسعت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل بشكل ملحوظ بعد كل هذه أزمة على مدى العشرين عامًا الماضية.(1)
لقد أدت الزيادة المستمرة في قيمة التجارة بين تركيا والكيان الصهيوني على مدى العقود الأخيرة إلى جعل أنقرة واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للكيان الإسرائيلي. تشمل صادرات تركيا إلى إسرائيل منتجات زراعية، آلات منتوعة، مواد كيميائية ومنسوجات، بينما تصدر إسرائيل إلى تركيا منتجات مثل التكنولوجيا المتقدمة والمعدات الإلكترونية، والمنتجات الكيميائية. يُعتبر عام 2022 نقطة تحول مهمة في العلاقات التجارية بين الطرفين حيث شهد حجم تجارة غير مسبوق واحتلت تركيا المرتبة الرابعة كأكبر مصدر إلى إسرائيل بإجمالي قدره 6.7 مليار دولار. وتتنوع مجالات الصادرات الرئيسية بما في ذلك الحديد والفولاذ بقيمة 1.2 مليار دولار والمواد الكيميائية بقيمة 670 مليون دولار والسيارات بقيمة 545 مليون دولار وغيرها من السلع. ومن الجدير بالذكر أن الحديد التركي يتصدر قائمة الصادرات إلى سوق إسرائيل، حيث يلبي 65% من احتياجات الفولاذ الإسرائيلية المستخدمة في مختلف الصناعات بما في ذلك الصناعات العسكرية.(2)
بعد أحداث "طوفان الأقصى" والتجاوزات الوحشية للكيان الصهيوني في غزة أعلن المسؤولون الأتراك رسميًا أنهم سيتوقفون عن جميع التجارة مع إسرائيل دعمًا للفلسطينيين. ومع ذلك يبدو أن الشركات التركية تتجاوز هذا الحظر من خلال تحويل صادراتها عبر فلسطين وتُظهر بيانات جمعية المصدرين الأتراك (TIM) ارتفاعًا كبيرًا في صادرات تركيا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني بالكامل.
وفقًا للبيانات الأخيرة بلغت صادرات تركيا من الفولاذ إلى فلسطين في عام 2023 حوالى 156 ألف دولار لكن شهدت ارتفاعًا مذهلاً بنسبة 43,500% في هذا العام لتصل إلى 68 مليون دولار. وبالمثل كانت صادرات تركيا من الكابلات إلى فلسطين في عام 2023 حوالي 1366 دولار، ولكن في أغسطس 2024، زادت هذه الصادرات بشكل كبير بنسبة 128,000% لتصل إلى 1.75 مليون دولار. وقد أفادت التقارير بأن هذه الصادرات رغم أنها تُسجل رسميًا كوجهتها الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا أنها تصل في الواقع إلى الكيان الإسرائيلي وبشكل خاص إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي وعلى سبيل المثال تُعد شركة "كابيل باموكالي" في دينيزلي أحد الموردين الرئيسيين للكابلات للجيش الإسرائيلي. (3)
الخلاصة
خلال علاقات ممتدة لمدة 75 عامًا مرت تركيا وإسرائيل بتاريخ تدرج ما بين الصعود والهبوط بالعلاقة بينهم. و رغم أن تركيا كانت أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف رسميًا بإسرائيل، وقد أدانت في المحافل الدولية العديد من الإجراءات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة مشددةً على ضرورة اتخاذ إجراءات أقوى ضد الكيان الصهيوني لدعم الفلسطينيين إلا أن خطابات تركيا السياسية القاسية لم تؤثر على علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل. وفي مثل هذه الحالة يمكن اعتبار تصريحات أردوغان بمثابة رسائل مفيدة للرأي العام داخل تركيا، لأن تركيا قدمت مساهمات كبيرة في تعزيز اقتصاد النظام الصهيوني وهذه القضية تتعارض تماما مع مواقف أنقرة المناهضة لإسرائيل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال