رافقت العلاقات الفرنسية الروسية عبر الزمن تقلبات مستمرة. وقد كانت العلاقات بين البلدين ودية في عهد جاك شيراك، الرئيس الفرنسي من عام 1995 إلى عام 2007. كما شهدت علاقة الكرملين مع نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي من عام 2007 إلى عام 2012، لحظات مجدٍ عندما توسط ساركوزي في الحرب المفاجئة بين روسيا وجورجيا في أغسطس/آب 2008. لكن خلال رئاسة فرانسوا هولاند (2012-2017)، شهدت العلاقات المتبادلة بين روسيا وفرنسا أسوأ فترة غير مسبوقة في العلاقات بين روسيا وفرنسا بسبب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والآن العلاقات بين البلدين بسبب بعض القضايا مثل الحرب في أوكرانيا ليست في حالة مستقر. [1]
من وساطة باريس في جورجيا إلى المواجهة مع موسكو في أوكرانيا
في عام 2008، خططت جورجيا لاحتلال المنطقة الروسية بهجوم مفاجئ على أوسيتيا الجنوبية، حيث كان معظم السكان من أصل روسي. ومباشرة تبع هذا الإجراء رد فعل سريع من موسكو، لدرجة أن روسيا دخلت في مواجهة مباشرة مع القوات الجورجية في وضع كان يخشى من انتشار نار الحرب بشكل أكبر، وتمكن الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي من منع استمرار الصراع وذلك من خلال الوساطة بين البلدين.[2]
وبقدر ما نجحت باريس في التوسط بين موسكو وتبليسي، فشلت في التوسط بين أوكرانيا وروسيا، ورغم جهود ماكرون، لم تتمكن فرنسا هذه المرة من لعب دور المنقذ بشكل جيد. ومنذ وقت ليس ببعيد، استشهدت روسيا بافتقار فرنسا إلى الحياد باعتباره السبب وراء هذا الفشل. وفي هذا الصدد، قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين في مقابلة مع وكالة أنباء "تاس" الروسية: لا يمكن وصف فرنسا بأنها دولة محايدة، ويمكن لدول مثل البرازيل أو الصين أو الدول الأفريقية أن تدعي أنها وسطاء. ولم تعد باريس قادرة على القيام بذلك لأنها شاركت بنشاط في هذه الحرب وانحازت إلى أوكرانيا. كما ذكّر بيسكوف بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أضاع فرصة التوسط في حرب أوكرانيا. [3]
الإزداوجية في مواقف فرنسا اتجاه روسيا
بينما حاولت باريس الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، على عكس الدول الغربية التي فرضت عقوبات شاملة على روسيا، وأرادت التوسط بين دولتي روسيا وأوكرانيا، فقد دخلت مؤخرا في توتر كلامي مع موسكو. وحذر إيمانويل ماكرون، في مقابلة مع صحيفة "الإيكونوميست"، من أن أوروبا في خطر وشيك ولم يستبعد إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا للقتال ضد روسيا. وأوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة "الإيكونوميست" حول إمكانية إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا: لا أستبعد أي شيء، لأننا نتعامل مع شخص لا يستبعد أي شيء". ورداً على هذا الكلام، قال وزير الخارجية الروسي: إن ماكرون يتخذ الآن مواقف قوية مناهضة لروسيا، وهذا النوع من الخوف من روسيا الذي يروج له ماكرون بطريقة سكان الكهف لا يبدو ضرورياً، إلا إذا كان ينوي أن يمتطي حصان هذه القضية لتولي قيادة أوروبا.[4]
فرنسا صديق أم عدو؟
الثلاثاء الماضي أقيم حفل تنصيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وكان بيير ليفي، السفير الفرنسي في موسكو، أحد الدبلوماسيين الغربيين القلائل الذين شاركوا في هذا الحفل، في ظل التوتر اللفظي بين البلدين. في مثل هذه الحالة يُطرح السؤال: هل يمكن في النهاية تسمية فرنسا بأنها صديقة لروسيا أم عدوة لهذا البلد؟
رداً على هذا السؤال، لا بد من القول إن النهج المزدوج الذي اتبعته فرنسا في التعامل مع روسيا كان مفاجئاً حتى بالنسبة لحلفاء البلاد الغربيين. ومع ذلك يبدو أن فرنسا لديها وجهة نظر متعددة الأوجه لعلاقتها مع روسيا. وبقدر ما تعتبر باريس موسكو تهديدا، فإنها تفكر أيضا في عواقب تحول الكرملين، مثل أزمة الطاقة، والاحتجاجات الداخلية للمواطنين، وما إلى ذلك.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال