الغرب والخوف التاريخي من قوة الشرق! 410

الغرب والخوف التاريخي من قوة الشرق!

مع ازدياد توتر العلاقة بشكل متصاعد بين تركيا واليونان، ازداد الوضع تعقيدًا في السنوات الأخيرة حيث لا يبدو أن هذين العضوين في حلف الناتو يتمتعان بالمكانة نفسها عند الغرب، بل تحتل اليونان موقعًا أكثر أهمية في مخططات الغرب الجديدة. تشير هذه النظرة الغربية لليونان، المدعومة من الولايات المتحدة وفرنسا إلى أنهم يخشون تركيا أكثر من اليونان، وبالتالي يسعون إلى تحقيق توازن قوى في شرق المتوسط ​​لصالح اليونان. في الواقع لهذا النهج جذور تاريخية ألا وهي الخوف من التوسع التركي وإحياء النزعة العثمانية الجديدة.


تحولت تحديات تركيا مع اليونان من تحدٍّ محلي إلى تحدٍّ إقليمي متعدد الأوجه في السنوات الأخيرة، وهو تحدٍّ واسع النطاق تلعب فيه عقيدة "الوطن الأزرق" التركية دورًا هامًا، وهي عقيدة تُعرّف سيادة تركيا على المياه الإقليمية والجرف القاري بشكل مختلف عن الهياكل القائمة، وتُعدّ نهجًا عدوانيًا في رؤية تركيا الجيوسياسية. يُتيح هذا النهج لتركيا تقريبًا بسط سيادتها على مناطق تمتد من البحر الأسود وبحر إيجة إلى شرق المتوسط، وتحدي قبرص واليونان وإسرائيل. ولترسيخ هذه العقيدة، أبرمت أنقرة اتفاقًا مع ليبيا ووسعت نطاق نشاطها البحري.[1]


ويكمن سبب هذا النهج التركي في الوصول إلى موارد الطاقة واحتياطيات الوقود الأحفوري في البحر المتوسط ​​وبحر إيجة. وتسعى تركيا إلى استكشاف الموارد البحرية لترسيخ مكانتها كمورد للطاقة في عالم متغير.


إضافةً إلى ذلك تسمح عقيدة "الوطن الأزرق" للحكومة التركية بإقامة أنشطة عسكرية ومناورات واسعة النطاق في المناطق المتنازع عليها، ما يُعدّ بمثابة دعم ظاهري لمنافسيها الإقليميين. إلا أن هذه الاستراتيجية لها ثمنها بالنسبة لتركيا، وأهمها مخاوف الغرب من نزعة أنقرة التوسعية الأمر الذي أدى إلى تشكيل تحالف إقليمي ضد حكومة أنقرة.[2]


ويُعرّف هذا التحالف، الذي يضم اليونان وقبرص وإسرائيل نفسه اليوم في مواجهة تركيا، إذ تعتقد الدول الثلاث أن لديها مصالح مشتركة ضد تركيا، حيث تتنافس اليونان وقبرص مع أنقرة في النزاعات الإقليمية، وتركيا مع إسرائيل في سوريا وفي مناطق حيوية. دفعت هذه المصالح المشتركة تركيا إلى السعي لتفكيك هذا التكتل ومواجهته. وقد تعاون التكتل المُشكّل المعروف باسم "قوس البحر الأبيض المتوسط"، تعاونًا وثيقًا وناجحًا في حرب الأيام الاثني عشر ضد طهران، وهذا ما دفع الغرب إلى السعي لتقويته ومواجهة طموحات تركيا هذه المرة.


يُعدّ "قوس البحر الأبيض المتوسط" موقعًا استراتيجيًا مناسبًا للسيطرة على جنوب غرب آسيا وتركيا، بل وحتى روسيا والصين لأنه من خلال إدارة هذه المنطقة يستطيع الغرب تجنّب الصراعات الجيوسياسية وتأجيج الخلافات بين القوى الإقليمية والقوى العظمى الموجودة في المنطقة والتحرّر من المواجهات المباشرة معها.[3]


من جهة أخرى، لم تقف تركيا مكتوفة الأيدي؛ بل تسعى جاهدةً لعرقلة هذا التكتل عبر دبلوماسية نشطة. ويمكن النظر في خطة شراء طائرات إف-35 المقاتلة لتوسيع التعاون مع طهران، بل وحتى مع الرياض في هذا السياق. تسعى تركيا إلى تعزيز قوتها العسكرية وفي الوقت نفسه، تمتلك أوراق ضغط سياسية متنوعة للتفاوض بهدف كسب هذه المنافسة الإقليمية.


إضافةً إلى ذلك، تربط تركيا علاقات وثيقة مع روسيا مما زاد من مخاوف أوروبا من احتمال فقدان تركيا مكانتها كشريك استراتيجي، وما قد يترتب على ذلك من مشاكل في إمدادات الطاقة الأوروبية.


في الواقع تخوض تركيا لعبة موازنة مع الغرب، وتسعى جاهدةً لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب. تجدر الإشارة إلى أن التعاون بين تركيا وإيران لا يُشكل مصدر قلق للغرب في المقام الأول، إذ يعتبره تكتيكياً ومؤقتاً ويعتقد أن مصالح البلدين الجيوسياسية تتعارض مع بعضها. إذا تمكنت إيران وتركيا من التوصل إلى فهم مشترك لأهمية التعاون الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأسود، فربما تُهيأ الظروف لتقليص الخلافات ويمكنهما معًا إنشاء كتلة إقليمية قوية قادرة على الهيمنة على منطقة البحر الأبيض المتوسط، وأن تكون أداة فعالة للسيطرة على التوترات وإدارتها في القضية الفلسطينية.


في الواقع، يمكن أن يتجاوز التعاون بين البلدين كونه تعاونًا مؤقتًا وعابرًا للحدود، رهناً بتحديد موقف مشترك ومساحة حيوية ضمن إطار المصالح المشتركة للطرفين.


إن تشكيل ميثاق أمني ثنائي بين إيران وتركيا من شأنه أن يعزز قدرتهما التفاوضية في القضايا الإقليمية والعالمية. إضافةً إلى ذلك يمكن أن يشكل تعزيز التعاون الأمني ​​والدفاعي درعًا دفاعيًا موثوقًا للبلدين، وإذا ما تم تشكيل هذا التعاون بصيغة مفهومة ومرنة فإنه سيجذب دولًا أخرى كالمملكة العربية السعودية كنموذج إقليمي ناجح، مما سيزيد بلا شك من قوة دول المنطقة في مواجهة القوى الخارجية.


لذا، من الضروري أن تسعى تركيا بالتعاون الوثيق مع شركائها الاستراتيجيين والإقليميين، إلى كسر هيمنة اليونان على البحر المتوسط ​​لضمان مستقبلها، وإلا فقد يتأثر موقعها الاستراتيجي، وقد تسعى اليونان إلى الاستحواذ على موارد متنازع عليها. ومن الأهمية بمكان أن تستفيد تركيا من تعاونها وتفاعلها الإقليمي كالتقرب من إيران، لكي تتمكن من ممارسة ضغط أكبر على منافسيها، وبالنسبة لإيران تُعد هذه فرصة سانحة لإعادة فتح طريقها إلى البحر المتوسط ولتصبح لاعباً مؤثراً في شرق المتوسط.




أمين مهدوي


[1] Turkey is escalating tensions in the Mediterranean (again)

[2] Twenty questions (and expert answers) on the Israel-Iran war - Atlantic Council

[3] Greece's Missile Plans in the Aegean Raise Alarm in Turkey - GreekReporter.com

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال