حين وظفت بريطانيا وفرنسا إسرائيل معهما في شن العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر عام 1956 لم تنجحا في تحقيق أهدافهما وهزمتهما مصر وأجبرت الجميع على سحب قواتهم، وفي عام 1967 حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا في مهمة توظيف إسرائيل فأعدتها لشن عدوان حزيران عام 1967 على مصر وسورية والأردن، وجرى بعد عقود من تلك الحرب كشف الغطاء السري عن الدور الأميركي العسكري المباشر في شن العدوان إلى جانب الجيش الإسرائيلي وتحقيق أهدافه العسكرية وهذا ما تذكره وثائق سمح بنشرها في التسعينيات من «المخابرات المركزية الأميركية – سي آي إيه» ومن مذكرات رئيسها ريتشارد هيلمز استند إليها الكاتب السياسي الأميركي ستيفين غرين حين ذكر في كتابه «الانحياز» أن الولايات المتحدة شاركت في الحرب بشكل مباشر لأن عدداً من الطيارين الأميركيين من سرب الاستطلاع التكتيكي في الجناح السادس والعشرين في سلاح الجو الأميركي استخدموا طائراتهم بعد وضع شعار سلاح الجو الإسرائيلي عليها ونفذوا طلعات استطلاع فوق مطارات عسكرية مصرية وسورية وأردنية وكانوا ينفذون ما بين ثمان إلى عشر طلعات جوية في كل يوم من أيام الحرب.
وكان الطيارون الأميركيون يحملون جوازات سفر مدنية أميركية لكي يظهروا كأنهم موظفون ضمن عقود مدنية مع الجيش الإسرائيلي إذا ما سقط بعضهم أسرى، علماً أنهم كانوا يقومون برصد وملاحقة القوات المصرية والسورية التي تتحرك ليلاً بعد ضرب قواعدها وإبلاغ الإسرائيليين بالمكان الذي وصلت إليه لكي تنفذ الغارات ضدها في صباح اليوم التالي.
وقدم هذا الجزء من المشاركة الأميركية العسكرية تسهيلات كبيرة للقوات الإسرائيلية لانجاز مهامها بالسرعة المطلوبة ولتخفيض أيام الحرب واستشهد غرين في كتابه بما كشفه أحد الطيارين الأميركيين الذين شاركوا في هذه الطلعات الاستطلاعية.
لكن عدوان حزيران وضع الجيش الإسرائيلي بعد أشهر قليلة أمام حرب استنزاف مكثفة من قناة السويس وحدود الجولان وجنوب لبنان والضفة الشرقية لنهر الأردن وداخل الأراضي المحتلة فاضطرت واشنطن بالتنسيق مع تل أبيب لعرض مبادرة روجرز في عام 1970 لتهدئة هذه الجبهات والتخلص من بعضها وأشعلت فتيل حرب أيلول على الضفة الشرقية للأردن التي انتهت بتوقف هذه الجبهة وفرض وضع «لا حرب ولا سلام» على جبهة القناة وعلى جبهة الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 1971، وبعد حرب تشرين عام 1973 وجدت واشنطن وتل أبيب أن الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة لم يعد قادراً على تحقيق الأهداف الإستراتيجية الأميركية في المنطقة فأعد الجانبان خريطة طريق اتفاقية كامب ديفيد التي خرجت بموجبها عام 1979 جبهة مصر أكبر دولة عربية، من دائرة الحرب، وعند ذلك أعادت واشنطن الدور الوظيفي العسكري الإسرائيلي إلى زخمه فحركته بوساطة الاجتياح الإسرائيلي على جبهة الشمال لاحتلال لبنان ومحاصرة سورية والتخلص من المنظمات الفلسطينية بعد أن انتهى وجود الجبهة الجنوبية والشرقية ولم يبق غير تلك الجبهة السورية اللبنانية المشتركة.
ومع الهزيمة التي مُني بها دور إسرائيل الوظيفي العسكري عام 2000 وعام 2006 وعجز القوة الأميركية عن تحقيق أهدافها ضد الجبهة الشمالية، عادت السياسة الأميركية وسلمت بعجز إسرائيل عن القيام وحدها بدورها الوظيفي فقررت في عام 2011 استخدام أطراف من المنطقة نفسها بشكل مباشر وعلني ومكثف للتخلص من الجبهة الشمالية لمحور المقاومة بوساطة المجموعات الإرهابية التكفيرية، فمنيت خططها بالهزيمة، وبعد انتصار سورية وحلفائها في جبهة الشمال للمرة الثانية عام 2017-2018 ازداد ضعف إسرائيل ووظيفتها أمام قوة ردع محور المقاومة فاضطرت واشنطن للتسليم بعجز إسرائيل عن تحقيق وظيفتها كقوة عسكرية حاسمة ضد هذا المحور وهي تجد نفسها الآن مجبرة على إعادة التكيف بعد تراجع قوة الأطراف التي اعتمدت عليها للتعويض عن العجز الإسرائيلي، ولذلك يبدو أن إدارة بايدين تسعى إلى إيقاف تدهور دور وقوة هذه الأطراف المتحالفة معها عن طريق المحافظة على الأمر الواقع الراهن والانطلاق منه حتى لو قدمت التنازلات النسبية من أجل تحقيق أدنى حد من أهدافها لمنع زيادة خسارة نفوذها في المنطقة، ولذلك رأى مركز «أميركان بروغريس» في 7 أيلول الماضي أن الرئيس الأميركي جو بايدين سيضطر بعد إخفاقات السياسة الأميركية أمام القوى المناهضة لوضع سياسة وسطية تنقذه من المزيد من الإخفاقات في الأشهر الستة المقبلة، ويلاحظ المركز أن كل ما فعلته السياسة الأميركية في السنوات العشر الماضية لم يؤد إلى تخفيض الأسباب التي ستحمل مضاعفات سيئة على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بينما لم يحقق حصار دول وأطراف محور المقاومة إلا المزيد من التماسك والقوة في مواجهة التحديات، وبالمقابل يؤكد المركز أن الدول الحليفة لواشنطن هي التي بدأت تتعرض للأزمات الداخلية وتفاقم التذمر والغضب الشعبي ضد حكوماتها ويرى أن هذا ما يحدث في السودان والمغرب والبحرين والعراق والأردن وتركيا والأطراف اللبنانية المحسوبة على الولايات المتحدة، وإضافة إلى ذلك تواجه إسرائيل أيضاً أسوأ وضع أمني واقتصادي وداخلي أصبحت فيه الهجرة اليهودية إليها في أدنى حد مقابل تزايد نسبة الهجرة العكسية وأصبح عدد المصابين بفيروس (كوفيد 19) يبلغ مليوناً و300 ألف، أي نسبة تزيد على سدس المستوطنين ووفاة 10 آلاف من المصابين في السنتين الماضيتين وهذا ما يعد نسبياً خسارة كبيرة بالقوى البشرية التي يحتاجها جيش الاحتلال.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال