منذ الاغتصاب الصهيوني لفلسطين عام 1948 وإعلان كيانهم السياسي، اعتمد جيش الاحتلال على تأمين قوته البشرية بوساطة استيعاب أكبر قدر من اليهود الذين يشجعهم على الهجرة من أنحاء العالم إليه، ووصف أول رئيس حكومة في تل أبيب عام 1949 ديفيد بن غوريون موضوع تهجير اليهود إلى الكيان الإسرائيلي «بأهم شريان دماء يجب ألا يتوقف إذا أرادت إسرائيل المحافظة على وجودها».
بعد عقود مضت على الاستماتة لتهجير أكبر عدد من اليهود، بدأت حكومات تل أبيب تشهد انحساراً متزايداً في عدد المهاجرين وانعكس ذلك على شكل نقص حاد في حجم القوة البشرية المسلحة، فمع تصاعد حروب الاستنزاف ضد جيش الاحتلال في مراحلها المتواصلة منذ عام 1969، ثم حرب تشرين عام 1973 وحرب اجتياح لبنان عام 1982 وانتهاء بتحرير الجنوب عام 2000، ثم تحرير قطاع غزة عام 2005، واستمرار المقاومة من جبهات ثلاث خارجية ومن جبهة الأراضي المحتلة، أخذت الهجرة من الخارج للداخل تصل إلى أدنى الأرقام، وبالمقابل بدأت ظاهرة الهجرة العكسية تفرض نفسها على اليهود وتدفع الكثيرين للعودة إلى أوطانهم التي جيء بهم منها بعد أن فقدوا الأمن في هذا الكيان، وحاولت الحكومات الاستعاضة في ثمانينيات القرن الماضي عن عجزها في تهجير اليهود البيض، بالعمل على تهجير ما أطلق عليه «يهود فلاشمورا» السود من أثيوبيا، وابتـُكر هذا النوع من اليهود في ذلك الوقت لسد النقص في القوة البشرية، ولكنه توقف لفترة من الوقت عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لكي يكثف جهوده في تهجير يهود دول الاتحاد السوفييتي.
في يومنا هذا يقول المحلل في صحيفة «ماكور ريشون» العبرية يونا شاركيفي بمقال نشره في 28 أيار الجاري تحت عنوان: «الرواية التي لم تتوقف.. هجرة اللايهود من إثيوبيا لا تبدو لها نهاية»، أن الحكومات في تل أبيب فتحت باب هذا النوع من اليهود للهجرة وهم من غير اليهود، وأشار إلى الزعم «بأنهم كانوا في فترة ماضية منذ زمن طويل جداً يهوداً ثم تحولوا إلى الدين المسيحي بكنيسته الإثيوبية، ويريد الحاخامات الشرقيون الآن إعادتهم إلى اليهودية»! والسؤال هو لماذا لم يكتشفوهم من مئات السنين؟ وهكذا سلم بعض الحاخامات وليس جميعهم بهذا المسوغ لأن الحكومة بحاجة لقوة بشرية ولن يضيرها هذا النوع من اليهود الذين ينتمون لعرق آخر طالما يتمكن الكيان من إحضار عشرات الآلاف منهم بموافقة دولتهم الوطنية الإثيوبية وكأنها تصدرهم بدين جديد إلى الكيان، ولهذه الغاية شكلت الحكومة الإسرائيلية لجاناً من معظم وزاراتها وطلبت منها الإقامة في إثيوبيا لإعداد هذه الشريحة من الإثيوبيين للهجرة وتحضيرهم لقطع علاقتهم بالمسيحية الإثيوبية والانتقال إلى اليهودية كمهاجرين إلى الكيان، ويبين شاركي أن وزارة الهجرة الإسرائيلية كانت قد ذكرت في بياناتها عام 2008 أن عدد من بقي من «يهود الفلاشمورا هو 3188 ثم تبين أنها قامت بترتيب هجرة 18 ألفاً منذ ذلك الوقت، ثم تبين أن الوزارة نقلت من عام 1999 حتى عام 2013 ما يزيد على 26 ألفاً».
وفي عام 2020 جرى تهجير 5000، ثم ذكرت لجنة الكنيست المختصة بالهجرة في أول أيار الجاري أنه لم يبق غير 919 من هؤلاء الإثيوبيين المعدين للتهجير.
والحقيقة هي أن كل هذه الأعداد طوال العقود الماضية، لا تساوي شيئاً لتعويض جزء يسير من عدد اليهود المستوطنين الإسرائيليين الذين غادروا الكيان خلال ثلاثة عقود، لأن الأرقام التي تنشرها الصحافة العبرية تشير إلى مغادرة ما يزيد على مليونين ونصف المليون إلى أوطانهم من دون عودة، ويبدو من الواضح أن جيش الاحتلال أصبح في هذه الظروف في أمس الحاجة لمرتزقة يستعين بهم من غير «الفلاشمورا» الذين سينفق عليهم الكيان مبالغ كبيرة للاستفادة منهم في ميدان القتال، علماً أن عنصرية اليهود البيض لا تزال ترفض التسليم بوجودهم، وبهذا الشكل أصبح الكيان النموذج الفريد في عنصريته بين يهود سود إثيوبيين ويهود بيض أوروبيين، وبين يهود غربيين وشرقيين داخل مجتمعهم الاستيطاني نفسه، ثم يصبح كل هؤلاء عنصريين ضد أصحاب الأرض الفلسطينيين المتمسكين باستعادة وطنهم من المستعمرين.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال