نشرت مجلة «ايكونوميست» الأميركية في 22-آب الجاري معلومات تشير إلى التغيرات التي طرأت على التوازن الديموغرافي بين الفلسطينيين وبين اليهود في الكيان الإسرائيلي وبقية الأراضي الفلسطينية التي يقيم فيها الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والأراضي المحتلة منذ عام 1948، فتبين أن عدد الفلسطينيين على امتداد وجودهم من قطاع غزة حتى الناقورة، يزيد قليلاً على مجمل عدد اليهود في الكيان وفي الأراضي المحتلة بعد عام 1967، فقد بلغ عدد السكان الإجمالي في إسرائيل وما يتبع لها من مستوطنات في الضفة الغربية تسعة ملايين ونصف المليون بما فيهم الفلسطينيون الموجودون داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948، ومنهم 21 بالمئة من هؤلاء الفلسطينيين داخل الكيان و74 بالمئة من اليهود و5 بالمئة من غير اليهود، وهذا يعني أن عددهم أقل من سبعة ملايين، على حين يصبح العدد الإجمالي للفلسطينيين الموجودين في داخل الكيان وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة والقدس أكثر من سبعة ملايين.
وتشير المجلة إلى أن 13 بالمئة من هؤلاء الملايين السبعة اليهود هم من اليهود السلفيين الذين يمتنعون عن الخدمة بجيش الاحتلال بسبب الشريعة التوراتية التي تفرض عليهم العبادة فقط، وبهذه النسبة التي يزيد عددها على مليون من اليهود تقريبا سيعتمد خزان القوى البشرية العسكرية للكيان على ستة ملايين من اليهود، على حين يزيد خزان القوى البشرية الفلسطينية على سبعة ملايين تنتشر نسبة منهم في داخل مدن مختلطة السكان مثل عكا وحيفا واللد ويافا وجنوب فلسطين قرب بئر السبع.
وإذا كان الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وفي قطاع غزة يشن حملات مقاومة بأشكال مسلحة وغير مسلحة ضد جيش الاحتلال، فإنهم يقومون بهذه المهمة باسم كل الشعب الفلسطيني سواء باسم الموجودين داخل فلسطين المحتلة أم خارجها، وفي ظل هذا الوضع سيعمل على توحيد ساحات وجبهات المقاومة داخل مساحة فلسطين كلها وسيكون لديه قوة بشرية تربك جيش الاحتلال والمستوطنين في كل مكان داخل فلسطين.
وبسبب تناقص العدد الكافي والمطلوب للقوى البشرية المؤهلة للتجنيد في جيش الاحتلال النظامي، كان رئيس الحكومة نفتالي بينيت قد أعلن قبل سنة ونصف السنة أن جيشه سيقدم لمن يرغب من المستوطنين داخل الكيان وفي الضفة الغربية والقدس السلاح والذخائر لكي يحملها دوماً ويستخدمها من دون أوامر ضد كل أشكال المقاومة الفلسطينية، وجاءت هذه الدعوة غير المسبوقة في طريقة الإعلان عنها على لسان رئيس حكومة الكيان بهدف سد ثغرة تناقص عدد القوى البشرية في جيش الاحتلال النظامي، وهي تدل على حالة الضعف والتدهور التي بدأت تطرأ على قدرة جيش الاحتلال أمام صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني في الداخل والعجز عن التغلب عليها.
وتشير التقارير الغربية إلى أن قيادة جيش الاحتلال لن يكون بمقدورها تجنيد عدد يزيد على 300 ألف أو 400 ألف من الجنود النظاميين حتى باستخدام كل قوات الاحتياط، لأن الملايين الستة التي يجري تجنيد الشبان والشابات من بينها، لا يمكن أن يوفروا أكثر من هذا العدد من الجنود وستزداد صعوبة أي مجابهة عسكرية تحدث بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال بسبب عدد الجبهات القتالية التي سيضطر جيش الاحتلال للانتشار فيها، في الوسط أمام الضفة الغربية وفي الجنوب أمام قطاع غزة وصواريخ القطاع وفي داخل الكيان أمام مليونين من الفلسطينيين المنتشرين من عكا إلى الجليل إلى وسط البلاد، أما في الشمال حيث توجد جبهة المقاومة اللبنانية وصواريخها وجبهة حدود الجولان المحتل، فسوف يحتاج جيش الاحتلال إلى أكثر من مئة وخمسين ألفاً إن لم يكن إلى مئتي ألف لحماية حدود الكيان الخارجية الممتدة من حدود الجولان المحتل حتى جنوب لبنان، ولذلك دأب جيش الاحتلال على الحرص الشديد بألا يفجر حرباً شاملة على جبهة الشمال برغم أنه يرى تزايداً في قدرات هذه الجبهة شهراً تلو آخر ويعجز عن منع تعاظمها وخاصة بعد انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه على حرب الإرهاب الكونية التي شارك في شنها جيش الاحتلال إلى جانب مئة دولة ولم ينجح بتحقيق أهدافه فيها.
ولذلك يعترف المحللون العسكريون والمتخصصون بالشؤون الإستراتيجية في تل أبيب أن الكيان الإسرائيلي يمر بأصعب وأفدح الأخطار بعد التحول الذي فرضته أطراف محور المقاومة في ميزان القوى الإقليمي في المنطقة برغم اتفاقات كامب ديفيد وما تبعها من اتفاقات أوسلو ووادي عربة التي لم تحمل أي عوامل قوة إضافية إلى الكيان لا في مواجهة الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة على كل فلسطين، ولا في مواجهة جبهة المقاومة اللبنانية والسورية في الشمال.
أمام هذا الوضع العسير جداً لن يكون بمقدور هذا الكيان الهروب من دفع الثمن.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال