منذ عدوان الكيان الصهيوني الثاني في حزيران 1967 على بقية الشعب الفلسطيني وما بقي من ترابه الوطني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وحتى هذه اللحظة ما يزال هذا الشعب يدفع ثمناً باهظاً في حياة أفراده ومن دمائه ودمار حقوله وبيوته ومن استيطان أجزاء كثيرة من أراضيه. ولم يسجل تاريخ الاستعمار والاستعباد طوال ألفي سنة تزايداً في الوحشية كما في هذا الكيان، ولا حتى فيما شهده الهنود الحمر في وطنهم أو الأفارقة السود الذين استعبدوا في أميركا مئات السنين، ففي كل يوم يقتل المستوطنون المسلحون وقوات جيش الاحتلال، فلسطينيين حتى لو كانوا أطفالاً أو نساء أو شيوخاً مسنين، وقصة قتل الطفل الفلسطيني إياد حلاق في الثلاثين من أيار عام 2020 في مدينة القدس في صباح ذلك اليوم حين كان يمشي نحو مدرسة المعوقين وهو المصاب بعاهة التوحد التي تجعل منه عاجزاً عن الإدراك المعهود عند كل إنسان، تؤكد هذه الوحشية، فقد واجهه، كما اعترف بعض أفراد قوات حرس الحدود، بنيران من خمسة جنود وهو يسير ببراءة الإنسان الذي لا يدري ما الذي يجري حوله إلى أن أصيب من كل هذه الطلقات وسقط بلا حراك على الرصيف، وتتحرك أمه وعائلته ويهبوا مع أبناء القدس ضد هؤلاء الجنود الذين قتلوا طفلاً معوقاً أعزل كان يتوجه إلى مدرسة المعوقين، وضجت في ذلك الوقت وسائل التواصل الاجتماعي بإدانة جنود الاحتلال بارتكاب جريمة وحشية لا نظير لها في كل تاريخ الاستعمار فاضطرت قيادة جيش الاحتلال إلى العمل على امتصاص غضب ونقمة الشعب الفلسطيني وعائلة الشهيد إياد حلاق فأعلنت عن تكليف محكمة للنظر في القضية، وأعد جيش الاحتلال فبركاته أمام قاضية عينها للنظر في هذه القضية فماطلت القاضية حانا ميريام بلومب لمدة ثلاث سنوات إلى أن قضت قبل أيام ببراءة جندي قدمه الجيش كمتهم من بين خمسة جنود أطلقوا نيرانهم على الطفل المعوق إياد، وحين ظهر هذا الجندي في قاعة المحكمة لم تسمح القاضية بالكشف عن وجهه أمام أي عدسة تصوير ولم تعلن عن اسمه للصحافة بل عن الحرف الأول من اسمه فقط، وضاع حق هذا الطفل لأن القاتل جلاد والقاضية جلاد والشهود من جنود الاحتلال، والضحية طفل معوق كان يتوجه إلى المدرسة، وربما عدته القاضية مداناً لأنه ما زال يحيا برغم أنه معوق كما يظهر، وظهر لجميع جنود الاحتلال أنه مجرد طفل يسير على هدي ربه نحو مدرسة هي أشبه بمستشفى للمعوقين، وبهذا الشكل الذي برأت فيه محكمة الاحتلال الجندي المجرم من ذنب قتل طفل يصبح قتل كل فلسطيني مهما كانت طبيعة مرضه أو سنه أينما كان في الأرض المحتلة وفي مخيمات الفلسطينيين جريمة لا يعاقب عليها قانون وضعه المحتل لتصفية وجود شعب يملك هذا الوطن من آلاف السنين في زمن يقف فيه إلى جانب هذا المحتل منذ قرن جميع الدول الاستعمارية بلا استثناء حتى وقتنا هذا.
وإذا كان الجنود الأميركيون ومعهم جنود أوروبيون قد قتلوا مئات الآلاف من العراقيين من دون تمييز بين طفل وطفل معوق أو سيدة وشيخ خلال سنة أو اثنتين أثناء غزوهم الحربي للعراق عام 2003 فإن هذا الكيان الإسرائيلي قد قتل مئات الآلاف وأصاب مئات الآلاف بجراح حولت آلاف الأطفال إلى معوقين جسدياً في غزة والضفة الغربية وسجن عدة مرات أكثر من مليون طوال احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة أمام أعين وسمع كل منظمات الأمم المتحدة التي تديرها واشنطن لمنع الشعب الفلسطيني من التنديد بإسرائيل والعمل على استعادة حقوقهم المشروعة الموثقة في كل سجلات الأمم المتحدة وفي سجل مقاومتهم منقطعة النظير للاستعمار الاستيطاني الغربي الذي اغتصب وطنهم وحقوقهم فيه بشكل سافر ووحشية مستمرة طوال قرن.
كأن القدر الذي فرضه التاريخ على هذا الشعب هو الاستمرار بالمقاومة لا لاسترجاع وطنه وحقوقه فقط، بل ولحماية هذه الأمة وأمنها ومستقبلها المستقل والسيادي من هذا الكيان ودوره الذي حددت وظيفته نفس القوى الاستعمارية التي تحارب الآن روسيا والصين وكل من يقف ضد النظام العالمي الاستعماري الذي وضعته هذه القوى منذ قرن واستعبدت واستعمرت بواسطته معظم شعوب العالم.
إنه من الطبيعي تماماً أن تقف الآن كل شعوب المنطقة ضد هذا النظام واستمرار هيمنته على مقدراتها ومصالحها الوطنية والاقتصادية، وهذا ما يجعل الحرب الدائرة والمتصاعدة الآن تستعر بين كتلة روسيا والصين ودول بريكس ومن يقف معها، وبين كتلة نظام الاستعمار العالمي الأميركي – الأطلسي التي تريد فرض استمرار نظامها العالمي للمحافظة على المصالح التي ولدتها من قتل الشعوب واحتلال أراضيهم خلال القرنين الماضيين، ومن يقف ضد هذا النظام يدافع عن شعبه وعن البشرية جمعاء.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال