الكيان الصهيوني ينتهك السيادة المصرية .. والأخيرة تصمت
تم الإعلان مؤخراً عن سيطرة جيش الاحتلال الصهيوني على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الفاصِل بين مِصر وقطاع غزة، وبهذا يكون قد سيطر الاحتلال على كافة المعابر وبالتالي منع وصول أي مساعدات مهما كانت للشعب الفلسطيني.
سيطرة الكيان على محور صلاح الدين قوبل بصمت مصري مبهم دون أي رد أو تعقيب من الخارجية المصرية ودون حتى أن تخرج رصاصة واحدة من الجانب المصري، وهو ما يعني عدة احتمالات واسباب لهذا الصمت حيث ورد رد رسمي مصري وحيد ينفي بيانات إسرائيليّة تتحدّث عن اكتشاف الجيش الإسرائيلي أنفاقًا لحركة حماس تمتد تحت هذه الحدود، كما لو أنّ المشكلة هي وجود أنفاق أو عدمها وليس انتهاكًا صريحًا ومهينًا للسيادة والكرامة الوطنيّة المصرية معًا، وانتهاكًا لجميع الاتّفاقات الموقّعة بين الجانبين، وخاصةً “كامب ديفيد” التي تفتخر السّلطات المصرية الحاكمة بالتزامها الكامل بها باعتِبارها تمثل دولة تحترم تعهداتها والقوانين الدوليّة المُتّبعة.
ما حدث دون أدنى شك هو اعتداء صارخ على الدولة المصرية وعلى سيادتها كما لو أن لا وجود لها ومع هذا لم يصدر أي رد فعل من الجانب المصري وكأن ما حصل هو بمباركة مصرية وبمعرفة مسبقة بما سيحدث وبهذا ستكون مصر شريكا حقيقيا في سفك الدم الفلسطيني وتجويع الفلسطينيين.
إن استمر الصمت المصري على ما هو عليه فإن هذا لا يعني إلا أنها متواطئة مع كيان الاحتلال في هذه الخطوة الاستفزازية .. نعم انها استفزازية للشعب المصري المعروف بمواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة.
فاحتلال قوات الجيش الإسرائيلي لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) يعني للوهلة الأولى تخلي الدولة المصرية عن أهم وأقوى ورقة في يدها فيما يتعلّق بالقضيّة الفِلسطينيّة بعد خسارتها لورقة أمنها المائي ومحوره الأساسي سدّ النّهضة الإثيوبي، وتفاقم الأزمة الاقتصاديّة، وتراجُع عوائد قناة السويس بمِقدار النّصف، وانخفاض تحويلات أبناء البلد في الخارج.
وعلى المقلب الآخر فإن إقدام كيان الاحتلال الإسرائيلي على هذه الخطوة قد يكون سبب إحراجا للقيادة السياسية المصرية بالرغم من التحذير المصري المتكرر لإسرائيل من مغبة اجتياح رفح أو محاولة السيطرة على المحور باعتباره تهديدا للأمن القومي المصري وتجاهل الأخيرة لهذا الأمر، وهو ما يعني أن القاهرة لا تريد الدخول في مواجهة مع إسرائيل، ولا التراجع عن معاهدة السلام التي تتلقى القاهرة بموجبها مليار و200 ألف دولار كمساعدات أمريكية سنويا.
هناك تشتت واضح لدى الجانب المصري، فمن جهة لم يرد على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي لسيادته ولا لمحاولاته اللامتناهية في تجويع الفلسطينيين من خلال منع وصول أي مساعدات اغاثية عن طريق حدوده مع رفح ومن جهة أخرى فأنه منذ بداية الصراع، عارض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يلعب دور الوسيط بين حماس والحكومة الإسرائيلية، فكرة السماح لسكان غزة، الفارين من الحرب والمتكدسين على الحدود المصرية، بدخول أراضيه.
وفي منتصف تشرين الأول، حثهم حتى على "البقاء على أرضهم"، من معتقد أن دفع الفلسطينيين إلى مغادرة أرضهم هو "وسيلة لتصفية القضية الفلسطينية" .
وبالرغم من موقف مصر الأخير حول سيطرة الكيان على محور صلاح الدين إلا أن هناك حالة من التوتر في العلاقات بين الطرفين المصري والإسرائيلي وخاصة أنه في رفح من الآن فصاعدا أي قصف أو هجوم ضد اللاجئين سيجعلهم يفرون بالتأكيد إلى سيناء" وهو ما لا تسمح به مصر لأنها إذا قبلت بذلك، فهذا يعني أنها تقبل بتصفية القضية الفلسطينية بينما يدعو الوزراء الإسرائيليون المتطرفون علانية إلى عودة المستوطنين إلى غزة و"هجرة" سكان غزة إلى جارتهم مصر".
ويرى مراقبون أن عِندما تسحب إسرائيل ورقة فِلسطين من مِصر، وتُلغي الحُدود التّرابيّة مع قطاع غزة، فإنّها تجعل من مِصر دولةً هامشيّة في المِلف الفِلسطيني، مِثلها مِثل أي دولة عربيّة خارج الجِوار الفِلسطيني في المُستقبل المنظور على الأقل، خاصَّةً في ظِل تراجُع الدّور القِيادي والرّيادي لمِصر حاليًّا إقليميًّا ودوليًّا.
يبدو أن وجود مصر وعدمه أصبح سيان فيما يخص ملف المفاوضات بعد سكوتها اللامنطقي عن كافة انتهاكات العدو الإسرائيلي في غزة وبحقها وهو ما يثير التساؤل عن سبب استمرار مصر بإدارة ملف مفاوضات وقف إطلاق النّار في القطاع إذا فقدت ثقة المفاوض والشعب الفِلسطيني، والحديث هنا عن كتائب المقاومة التابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ويرى محللون أن السلطات المصرية ليست مطالبة بإرسال قواتها لتحرير فِلسطين، ولا حتّى التصدّي لحرب الإبادة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في القطاع، رغم أن هذه الحماية واجب قانوني وأخلاقي بحكم أن القطاع كان خاضعًا للإدارة العسكرية المصرية عندما جرى احتلاله عام 1967، إنها مطالبة فقط بالدفاع عن حدودها وكرامتها الوطنية، والالتِزام بحقوق الجوار ويرى المسؤولون المصريون أن أراضي محور فيلادلفيا لا تقع ضمن السيادة المصرية. إلا أنهم يؤكدون أن سيطرة الجيش الإسرائيلي عليها بالكامل انتهاك لبنود اتفاقية السلام بين الجانبين.
إن الخطوة الإسرائيلية المتوقعة تتزامن مع تفكك الرصيف البحري الأمريكي ونقل معداته إلى ميناء أسدود المحتل، مما يعني أن هناك خطة تجويعيّة يجري تنفيذها لإحكام الإغلاق على القطاع بموافقة جميع الأطراف المعنية وبإشرافٍ ومباركة أمريكية والسؤال خاصة أن أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي كان قد قام بالعديد من الزيارات المكوكية بين عاصمتي الجانبين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال