إن سرعة التحولات في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا كبيرة جداً ويتعين على الدول في المنطقة أن تكون مستعدة في أي لحظة لحدوث أي تغيير جديد. من بين الأحداث الأكثر أهمية في الفترة الأخيرة سقوط بشار الأسد في سورية وتشكيل فراغ في الحكومة والسلطة في هذا البلد.
لقد خطط معارضو الحكومة السورية لفترة طويلة لهذا الحدث وبفضل الخدمات الاستخباراتية الغربية وبعض الدول المجاورة تمكنوا من تحقيق أهدافهم في فترة زمنية قصيرة. ومن بين أهم الداعمين لمجموعات المعارضة، كانت تركيا. حيث لعبت هذه الدولة دوراً مباشراً في تشكيل السلطة الحالية وكانت لها دوافع عديدة لذلك، تبدأ من موجات اللاجئين السوريين وعدم الأمان على حدودها الجنوبية إلى السعي لتثبيت مجموعة تتماشى مع مصالح تركيا لزيادة نفوذها الإقليمي.
بعد سقوط بشار الأسد كان وجود رئيس المخابرات التركية في هذا البلد دليلاً واضحاً على الدور المهم لتركيا في التطورات السورية. فقد لعبت تركيا دوراً حيوياً من خلال الدعم الاستخباراتي والتسليحي واللوجستي في تعزيز قوة المعارضة السورية. بالإضافة إلى ذلك يجب الإشارة إلى دور أجهزة الأمن الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة حيث يبدو أنه لولا دعمهم لما كانت سورية لتشهد هذه السرعة في التحول. إلى جانب الدعم الاستخباراتي وكانت إغلاق طرق الوصول إلى سورية من ضمن مهام الغرب أيضاً.
في الواقع كانت هناك تقسيم للمهام بين تركيا وحلفائها بشأن سورية وهذه التقسيمات تم تعريفها بناءً على مصالحهم المشتركة. حيث تمكنت تركيا من تحقيق مصالح وفهم مشترك مع نظام إسرائيل وقطر والولايات المتحدة وحتى الأردن، ومن خلال اللعب بصورة ذكية وبتكاليف منخفضة جداً حققت أهدافها.
كما يجب الانتباه إلى تعاون الناتو مع تركيا في هذا الأمر. بلا شك لم تكن تركيا قادرة على تنفيذ كل الأمور بمفردها فقد لعبت دعم الناتو اللوجستي والتدريبات التي حصلت عليها القوات التركية وربما المعارضة السورية دوراً مهماً في تسريع هذا الحدث. هذا الأمر يظهر بوضوح أن الغرب بأكمله بالتعاون مع بعض الدول في المنطقة، كان يسعى للإطاحة بالأسد ولم يدخر جهداً في ذلك. يسعى الناتو إلى تعزيز النفوذ الإقليمي لأحد حلفائه الرئيسيين كتركيا حيث يمكن أن يؤدي تعزيز نفوذ تركيا إلى تأمين قوات الناتو لاسيما الولايات المتحدة. الأمريكيون، الذين يتواجدون في مناطق النفط السورية يؤكدون على ضرورة الحفاظ على أمن الجماعات الكردية في تلك المنطقة ويقدمون التحذيرات اللازمة لتركيا بعدم تجاوز حدودها.
ومع ذلك ترغب تركيا في توسيع مناطق نفوذها وإبعاد التهديدات عن حدودها. لم يكن هذا هو الهدف الوحيد لتركيا من التدخل في سورية إذ يبدو أن أردوغان يحمل أحلاماً كبيرة وطموحة. فهو يسعى لإحياء الإمبراطورية العثمانية وتعزيز مكانة تركيا كقوة عظمى موقناً بأن بلاده يجب أن تكون أكثر من مجرد قوة إقليمية.
في المقابل قامت تركيا بمقامرة كبيرة؛ حيث عرضت قوتها العسكرية والاستخباراتية في الملف السوري وتعتبر حالياً شريكاً موثوقاً لعدديها. لكن يجب على تركيا أن تتعلم من التاريخ وأن تدرك أن الغرب، في معظم الأحيان يغير مفهوم الحلفاء إلى منافسين بمجرد تحقيق مصالحه. في الواقع طالما تُعرّف تركيا وفقاً للمصالح الكبرى للغرب، يتم اعتبارها حليفة، وإذا كانت ترغب في قيادة العالم أو حتى الشرق بمعزل عن مصالح الغرب، فلن تحظى بدعم الولايات المتحدة.
لذلك قد تكون تركيا الآن في شهر عسل انتصارها لكنها ستواجه العديد من التحديات في المستقبل. من بين هذه التحديات تشكيل حكومة في سورية وتعزيز قوات المعارضة الكردية على حدود تركيا خصوصاً إذا لم تتمكن سورية من الوصول إلى حكومة قوية ومستقلة بالإضافة إلى تأمين الوقود السوري للمحطات والبنى التحتية. ومع ذلك، يجب انتظار أحداث جديدة في المنطقة في المستقبل القريب ومعرفة كيف ستسير هذه التطورات لصالح أي دول أو مجموعات.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال