21 عامًا انقضت منذ تحرير الجنوب اللبناني من الوجود الصهيوني، في أيار المشرق من العام 2000، وكسر إرادة التمدد لدى الكيان، ودخول المنطقة بكاملها في عصر جديد، بزغ فيه حزب الله على الساحة، كقوة صاعدة ضد العلو الصهيوني المطلق قبل هذا التاريخ، وكقبلة لكل حر وشريف في لبنان والمنطقة العربية، وكطرف أصيل في معادلات القوة وخرائط الوجود والحركة والقدرة الفائقة على التغيير.
النصر العظيم، بمقاييس عصر القطب الأميركي الأوحد على الكوكب، وبمقاييس أي عصر تلاه، منح حزب الله شهادة إنجاز فوق شهادة الحق، ووضعه في قلوبنا وعقولنا بصورة القوة القادرة، فوق الصورة الإيمانية الكريمة التي حافظ عليها وقاتل تحت ظلها طوال فترة وجوده على مسرح المنطقة العربية، التي كانت تشتاق لهذه الظاهرة وتنتظرها، بلهفة وشوق شديدين.
وبعد عملية الوعد الصادق في تموز 2006، والنصر الأكبر والأوضح على عدونا، قدم حزب الله للمنطقة كلها المثال الذي يجب أن يكون عليه الفعل الرافض للهيمنة، والنموذج المطلوب لكي نخرج من أسر السيطرة والتجبر الأميركي، والذي كان في تلك السنوات الحقيقة الوحيدة المطروحة في عقول وقلوب الحكام ونخبة السياسيين والمفكرين، بل ونجوم الفضائيات العرب، الجميع لم يكن يرى في واشنطن إلا قِبلة يتحتم السير على هداها وفي ضوء رضاها الأخضر.
طوال مسيرة تعامل حزب الله مع الساحة اللبنانية، ثم مع الساحة العربية الأوسع، وبفعل أدواره الجديدة في الإقليم، التي رتبتها أثمان تضحيات أبطاله وشبابه وقاعدته الجهادية، كان يقدم في كل مرة النموذج الذي يجب أن يحتذى، من تعامله مع العملاء في الجنوب عقب التحرير، إلى مسيرة القتال في سوريا، وسط تهديد هائل للأقليات الدينية والعرقية، ولم يقدم أعداء الحزب صورة واحدة -ولو مفتعلة- عن هدم كنيسة أو تهجير عائلة مسيحية، في أية قرية أو مدينة سورية، رغم أن الحرب الكونية على سوريا وصمت كلها بإعلام قام واستمر على الأكاذيب.
نجحت الحكمة التي غلفت كل قرار يخص حزب الله، وسماحة السيد حسن نصر الله، في وأد محاولات الجر إلى حرب أهلية، في مرات كثيرة سابقة، أرادوها لتعيد ترتيب أوراق المهزومين من أتباع الأميركي وذيول الصهيوني، لكنها كانت تثير الحنق لدى أمراء الحرب والدمار أكثر، وتستتبعها محاولات جديدة من الاستفزاز، والتي شملت مجموعات من منتفعي السفارات الأجنبية، وكل طامح لدور جديد، أو طامع في دور من الأصل.
كان الحزب، وسيد المقاومة، يتصرفان من منطق القوة لا الضعف، ويزِنان الدور الجديد بمسؤوليات أوسع وأعمق، فيما يتعلق بالحفاظ على لبنان أولًا، وعلى السلاح المقاوم بعيدًا عن هدفه المحدد والأول والأهم، قلب الكيان.
وفي أشد اللحظات العصيبة التي مرت بلبنان، كان هدي سيدنا محمد وآله الطيبين المطهرين، “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا”، هو راية الحزب وعنوان رد فعله على كل محاولات الجر إلى اقتتال داخلي، ولم تكن النار التي أكلت قلب الكيان الصهيوني في 2006، وبعدها، وتثبت القوة المذهلة والجبارة للحزب، مطروحة في أي معادلة داخل لبنان، بل لم يتجرأ أحد من أعداء الحزب على التفكير بها أو وضعها في حساباته.
خطاب السيد، قبيل مناسبة مولد سيد الخلق، لم يكن إنذارًا لأحد، بقدر ما كان دقًا لناقوس الخطر في وجه من يعتقد أن اللعب مع المقاومة سيكون دائمًا تحت السيطرة، أو أن ضمان عدم اتخاذ رد فعل يوازي الجريمة المنكرة في مجزرة يوم الخميس الدامي، سيحقق لحزب القوات اللبنانية ورئيسه مصالح في لبنان والمنطقة، وسيكون الشريك الأول للحلف الإجرامي السعودي- الصهيوني في لبنان. ولعل الجملة الفارقة في خطاب سيد الوعد الصادق كانت إعلانه عن عدد مقاتلي حزب الله، مائة ألف بطل، تزدان بهم القلوب وتفرح، هم طريقنا إلى القدس وفلسطين.
في ظرف دقيق أعقب المجزرة البشعة، كانت الكلمات بلسمًا لعوائل الشهداء، ولكل من فجعوا بالمشهد الدامي، والأنفس الذكية التي راحت ضحية حلم رجل واحد بأن يكون العميل الأول لأعداء البلد، لكن الذكاء الذي ميز تعامل حزب الله، والرؤية الصحيحة التي يتعامل بها مع الأحداث، وشجاعة وضع يده على الحقيقة، وجرأة المصارحة لجمهور المقاومة على امتداد المنطقة العربية، ليثبت للجميع صدق رهان من قال، بقلب مطمئنة، “أمرنا أمر القيادة”.
أحمد فؤاد
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال