تشهد العلاقات السورية التركية تطورات مهمة، حيث من المقرر أن يعقد لقاء بين مسؤولين من البلدين في العاصمة العراقية بغداد خلال الأيام القادمة. يأتي هذا الاجتماع بعد أشهر من الجهود الدبلوماسية المكثفة، بما في ذلك الوساطة الروسية والعراقية، لرأب الصدع بين البلدين.
عاد ملف العلاقات السورية – التركية إلى واجهة الاهتمام الإعلامي في الأسبوعين الأخيرين، واستعاد حيزه الواسع ضمن نقاشات واهتمامات الساحة الاجتماعية السورية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها ومنطلقات اهتمامها. ولعل منطقة الشمال السوري، التي يحتل الجيش التركي أجزاء منها، ويدعم ويرعى فصائل وجماعات شكلت حالة أمر واقع فيها، تضم الشرائح الأكثر اهتماماً وتخوفاً واستبشاراً من جهة مقابلة بآفاق هذا الملف وتداعياته المتوقعة على سوريا وعلى منطقة الشمال تحديداً.
اذا ما تحدثنا عن سبب اعتبار التصريحات الأخيرة لاردوغان تحول مهم ومبشر في مستقبل العلاقات السورية التركية فإن تركيا هي من أوائل الدول التي صدرت العناصر المسلحة بصبغة طائفية يملؤها الحقد بالاشتراك مع السعودية الى سورية وقدمت لهم الدعم اللوجستي والمادي القوي بهدف اسقاط الدولة السورية وهي أول من احتضنت ما يسمى حكومة الائتلاف واستقبلت كل من ينطوي تحت مسمى "معارض".
فلم يفوت الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فرصة للإساءة للدولة السورية جيشا وحكومة وقيادة، لتنقل مؤخرا مصادر خاصة أن المخابرات التركية أبلغت قادة فصائل ما يسمى بالمعارضة السورية في اجتماع جرى قبل أيام بمدينة حواركلس الحدودية بين سورية وتركيا بأن يستعدوا لتهيئة مقاتليهم من أجل تسليم سلاحهم.
ومن ثم تصريحات اردوغان بعدم وجود ما يمنع إعادة العلاقات السورية التركية والتي تصدرت أغلب المواقع والحسابات التركية، وما يلفت بالأمر هو وصفه للرئيس الأسد بالسيد المحترم بشار الأسد.
أما فيما يتعلق بالناحية المجتمعية فتُفيد المعلومات الأهلية القادمة من أرياف حلب، الشمالية والشرقية منها على وجه الخصوص، بوجود حركة "بيع أراضٍ وعقارات وأملاك" متسارعة ومستعجلة، يقوم بها بعض قادة المجموعات والفصائل وبعض التجار والنافذين المحسوبين على المعارضة السورية، وبأسعارٍ مثيرة تكاد تقل عن نصف السعر الحقيقي لمتر الأرض في تلك المناطق.
ولهذا الأمر دلالاته الكبرى على صعيد رؤية هؤلاء ومعلوماتهم واستشرافهم لمستقبل المنطقة، كما لمستقبلهم على نحو خاص. كما تشكل الاعتقالات التي قامت بها قبل أيام "الشرطة العسكرية" التابعة لما يُسمى بـ"الجيش الوطني" -الذي أسسته أنقرة وترعاه وتدعمه مالياً وعسكرياً، والذي يتبع لأوامر أجهزتها الأمنية بشكل مباشر- والتي استهدفت بعض القادة الميدانيين والعديد من الكوادر الفصائلية الذين سيق بعضهم إلى الداخل التركي بعدما تعرضوا للتنكيل أثناء عملية القبض عليهم، إشارةً تركية واضحة إلى الطريقة التي تعتزم أنقرة التعاطي بها مع كل شخص، كائناً من كان، يعارض قراراتها أو مخططاتها، كما يمكن اعتبار تلك الاعتقالات وأسبابها اختباراً ابتدائياً عملياً يكشف نوع التحديات التي ستواجهها أنقرة في الشمال في حال الوصول إلى اتفاق مصالحة شاملة مع الشرعية السورية في دمشق.
ليست تلك الاعتقالات جديدة من نوعها بالطبع، فقد حدث هذا الأمر عدة مرات خلال السنتين الماضيتين، وتحديداً منذ الإعلان عن انطلاق المساعي الروسية – الإيرانية بهدف التوصل إلى "مصالحة" أو "تسوية" بين البلدين الجارين، سوريا وتركيا، وبدء التصريحات الإيجابية المتتالية من المسؤولين الأتراك حول هذا الملف،
لكنْ، وبعد جمود استمر أكثر من عام على هذا المسار، يبدو أن هناك ما هو مختلف الآن، فالحراك الروسي على خط أنقرة بدأ يأخذ طابع الحركة الميدانية في قلب منطقة الشمال، ولم يعد مجرد تصريحات متبادلة حول النيات والأهداف، والتقارير الإعلامية المتداولة بقوة مؤخراً حول حصول لقاءات أمنية بين وفود سورية وتركية مشتركة، ومنها الحديث الذي أبرزته صحيفة "أيدنلك" التركية حول حصول لقاء أمني رفيع المستوى بين الطرفين برعاية روسية في قاعدة "حميميم" العسكرية الواقعة في محافظة اللاذقية السورية، وقرب حدوث لقاء سياسي في العاصمة العراقية بغداد، تدل كلها على بلوغ المساعي الميدانية التي تقودها موسكو مراحل متقدمة لامست الخطط الميدانية التي يبدو أننا على وشك أن نشهد وقوعها، كما تداعياتها.
التسريبات الصحافية تحدثت عن لقاء أمني مشترك يوم الخميس 11 تموز في قاعدة "حميميم"، والذي نفت بعض الأوساط التركية حصوله، فيما لم تعلق دمشق بشكل رسمي على هذه الأخبار، حدثت تحركات على الأرض في منطقة الشمال الشرقي، وخصوصاً في مدينة "تل أبيض" التابعة لمحافظة الرقة والمتاخمة للحدود السورية – التركية، إذ انطلق وفد عسكري روسي في عربات مصفحة بشكل علني وفي وضح النهار (عكس ما أشيع حول سرية الزيارة) من القاعدة العسكرية القائمة في مطار القامشلي إلى مدينة تل أبيض، واجتمع مع وفد عسكري تركي حضر إلى المكان، لتتوالى بعد ذلك التقارير والتحليلات التي تتحدث عن قرب شروع أنقرة بتسليم بعض المواقع العسكرية للجيش السوري.
أما عن الموقف السوري فقد أكد الرئيس بشار الأسد في لقاء جمعه مع مبعوث الرئيس الروسي الخاص ألكسندر لافرنتييف، في 26 حزيران الجاري، أن سوريا تعاملت دائماً تعاملاً إيجابياً وبنّاءً مع كل المبادرات ذات الصلة، لافتاً إلى أن نجاح وإثمار أي مبادرة ينطلق من احترام سيادة الدول واستقرارها وهو ما اعتبره الكثيرون إشارة لتركيا.
وفي 4 حزيران قال وزير الخارجية فيصل المقداد، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني: “إن الشرط الأساسي لأي حوار سوري- تركي هو إعلان تركيا استعدادها للانسحاب من أراضينا”، مشدداً “لن تطبع العلاقات بين البلدين إلا إذا قالت تركيا في وضح النهار بأنها ستنسحب من الأراضي السورية”.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال