المتطرفون آفة أوروبا! 295

المتطرفون آفة أوروبا!

شهد نمو الحركات المتطرفة في أوروبا تسارعًا ملحوظًا خلال العقد الماضي. كانت هذه الحركات رمزًا للتعصب الأعمى في العالم وحاول الكثيرون تجنبها وتجنب أفكارها لكن الوضع اليوم يبدو مختلفًا، فقد استطاعت هذه الحركات كسر محرمات دامت عقودًا،ووضع نفسها في صلب التيار الرئيسي في أوروبا منتقلةً من هامش السياسة إلى مركزها. هذه العملية مسارٌ ممتدٌّ لعقود وقد نجح المتطرفون في تحقيق هذا النجاح باستخدام الحيل والظروف المختلفة.


تمكن اليمين المتطرف في أوروبا الذي كان رمزًا للأحزاب المعادية للإنسانية وحقوق الإنسان، من تجاوز محرمات عدم التعاون معهم خلال ما يقارب عقدًا من الزمان، مستخدمًا أساليب مثل التطبيع من خلال التعاون والتقارب مع بعض الأحزاب الأخرى. وتمكنوا من جذب الانتباه ثم شقوا طريقهم تدريجيًا إلى المشهد السياسي الرئيسي في أوروبا. عندما تمكنوا من تصحيح نظرة الناس السلبية لأنفسهم والتخلص من خجل دعم أنفسهم كانت تلك بداية خطواتهم التالية، وهي سياسة تصحيح الشعارات والحفاظ على المظهر. كما أدركوا أنه لكي يتحول خجل الناس إلى دعم عليهم تصحيح شعاراتهم. كان هذا التغيير في النهج نتيجة تعاونهم مع أحزاب الوسط، واستخدم اليمين المتطرف هذه المرة شعارات في إطار السيادة الوطنية والحفاظ على الثقافة الوطنية ومواضيع أخرى استطاعت أن تجلب لهم القبول والدعم الشعبي.


كانت الخطوة التالية لليمين المتطرف هي الاستيلاء على جزء من السلطة في البنية المؤسسية لأوروبا. لقد تمكنوا من التسلل إلى بنية السلطة بشعارات ذات نكهة وطنية والمشاركة تدريجيًا في صنع السياسات. هذا مهد الطريق لحضور أكبر وأكثر حيوية في المشهد السياسي الأوروبي، وفي النهاية تمكنوا من أن يصبحوا تيارًا رئيسيًا في البنية السياسية الأوروبية.[1]


المهم هو أن اليمين استغل الظروف غير المواتية في أوروبا لتحقيق أهدافه. لقد استغلوا شعور عدم الرضا الذي بدأ منذ وصول المهاجرين في عام 2015، والذي غيّر الوجه الثقافي والاجتماعي لأوروبا مستغلين قضايا الهوية الوطنية وكراهية الإسلام وتعزيز الثقافة الوطنية وتمكنوا من جذب أصوات جزء مهم من الشعب.[2]


علاوة على ذلك مع أزمة كوفيد-19 في بداية العقد الجديد والحرب التي تلتها في أوكرانيا، تدهور الوضع الاقتصادي في أوروبا بشكل أكبر مما زاد من استياء الرأي العام من الحكومات الأوروبية وتمكن اليمين المتطرف من كسب الأصوات مجددًا بوعوده وحقق أكبر نجاحاته بعد عام 2020.


اللافت للنظر في هذا التوجه المتنامي لليمين المتطرف هو عدم اتفاقهم مع الاتحاد الأوروبي وبنيته المتكاملة وسعيهم الدائم للخروج من هيكل الاتحاد أو تطويره بما يخدم مصالحهم الخاصة. هذه نقطة اتصال تربطهم بالقوى العالمية الكبرى التي تعتبر الاتحاد الأوروبي منافسًا.


كما تسعى روسيا والصين والولايات المتحدة إلى زيادة تفاعلها ودعمها للجماعات والحكومات اليمينية المتطرفة في أوروبا. والسبب وراء هذا التعاون واضح وهو إضعاف الاتحاد الأوروبي والقضاء على منافس رئيسي مقابل التعاون والتفاعل مع دول تتمتع بقدرة تحكم أفضل وأسهل من الاتحاد. وفي هذا السياق، يبدو أن روسيا تلعب الدور الأكبر، فقد ازداد هذا التوسّع في الدعم الروسي منذ الحرب مع أوكرانيا، وأصبح دعم الكرملين للمتطرفين أكثر تركيزًا وتواترًا. تتحالف التيارات المتطرفة مع روسيا في عدة مجالات منها خفض أو قطع المساعدات لأوكرانيا وإنهاء الحرب وفي مجال القيم الإنسانية والاجتماعية والسياسية حيث تُشكك القيم الغربية تمامًا. وإذا تضررت أوروبا في هذا المجال فقد يكون ذلك بداية نهاية متعثرة للاتحاد الأوروبي.


في الواقع تُدرك روسيا جيدًا أهمية الثقافة ودور المجتمع في تشكيل الهياكل السياسية، وتسعى للتحرك ضد الغرب بشكل مباشر في مجال يحظى أيضًا بدعم واسع من جماهير المجتمع الغربي ويمكنها الاعتماد على الثقافة الغربية التقليدية لتحدي قيم أوروبا الغربية الحالية، مما قد يكون مقدمة لمزيد من الانقسام في أوروبا وربما نهاية الاتحاد الأوروبي[3].


بالإضافة إلى ذلك قد تُشكل هذه الإجراءات أيضًا أرضيةً لتقليص النفوذ المؤسسي والبيروقراطي للاتحاد الأوروبي، مما سيؤدي في النهاية إلى نفس الهدف الذي يسعى إليه كل من اليمين المتطرف والقوى العالمية الكبرى، ألا وهو تدمير الاتحاد الأوروبي.


من وجهة نظرنا ينبغي لأوروبا المتحدة أن تتخذ تدابير شجاعة لمنع هذه العملية مثل إعادة تعريف القيم الثقافية، والدعم السياسي وتحديد الأصدقاء والأعداء حتى تتمكن من التغلب على هذه الأزمة التي بدأت حديثًا وعدم الغرق في فيضانها.




أمين مهدوي


[1] In Brussels, the far right can no longer be ignored – POLITICO

[2] https://thegeopolitics.com/the-rising-far-right-of-europe

[3] Charting the Radical Right’s Influence on EU Foreign Policy | Carnegie Endowment for International Peace



لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال