منذ أحد عشر عاماً كان لكل امرأة في سورية حكاية ورواية كتبتها فصول الحرب التي لم تبق ولم تذر، ومع ذلك تبقى صورة المرأة السورية الصامدة سواء في الداخل والخارج هي التي يعول عليها في إعادة بناء الوطن والإنسان، والحق إلى نصابه.
باتت المرأة السورية هي العنصر الأكثر تضرراً خلال الحرب على سورية، حيث وضع المرأة السورية أكثر تعقيداً اليوم من وضع أي امرأة أخرى، هي ضحية الترك والفقد والابتزاز الجسدي والمعنوي، المرأة أم، إلا أنها في سورية، ليست مجرّد أم، إنها أم لشهيد، أم الشهيد الذي تفقده وتفتقد له وتشتاق إلى رائحته ويقتلها الحنين إلى لمسه للحظة واحدة فقط!
لم تتوقف آثار الحرب على المرأة السورية عند الحدود العنفية المباشرة، وإنما امتدت إلى مضمارات أبعد، من خلال الآثار النفسية والمعنوية والاقتصادية المترتبة على انهيار البنى الاجتماعية، وغياب الذكور، وما فرض عليها، وفق تلك الحالة من العديد من المسؤوليات.
إن الثمن الذي تدفعه المرأة السورية ليس ذات طابع عابر، ولا يمكن لها أن تتخلص من آثارها في القريب العاجل، وهي تتمثل في إكراهها ضمن الخيارات المتاحة بالقبول بما تفترضه الأوضاع بقضايا مصيرية مثل الزواج والطلاق وتعدد الزوجات، وارتفاع نسب العنوسة، وزواج القاصرات.
تراجعت نسب الزواج في سورية بصورة كبيرة بعد الحرب لأسباب تتعلق منها ارتفاع نسبة الوفيات والضحايا بين الشباب الذكور نتيجة الحرب وأيضاً هجرة أعداد كبيرة في أعداد الذكور المؤهلين عمريا للزواج، وانخراط جزء كبير منهم في الخدمة العسكرية التي أدت الحرب الإرهابية على سورية برفع مدتها إلى سنوات عديدة بدلاً من سنة ونصف حسب ما كان سابقاً قبل الحرب.
إضافة إلى غياب الاستقرار الأمني والاقتصادي الناجم عن ارتفاع في زيادة الأسعار وانخفاض الدخل وارتفاع نسب البطالة إلى أكثر من 70 في المئة، ما جعل إمكان الزواج وتأسيس عائلة وتحمل تكاليف منزل منفصل عبئاً غير متوفر لكثيرين وكثيرات. أثرت هذه العوامل في المرأة السورية، وجعلت من إمكان إيجاد الشريك الملائم والمؤهل للزواج فرصة شبه نادرة.
كذلك شاع الزواج العرفي في سورية في سنوات الحرب، لمتغيرات منها ما يتعلق بحياة الذكور وابتعادهم عن المؤسسات الرسمية لاستخلاص أوراق مطلوبة للزفاف، ولأسباب اجتماعية متفرقة، وهو زواج لم تكن تستسيغه أو تقبله النساء سابقاً.
وكان القاضي الشرعي محمد شريف المنير قد أوضح سابقاً “أن نسبة الزواج العرفي في محافظتي دمشق وريفها وصلت إلى ما يقارب 90 في المئة من مجمل الحالات، مشيراً إلى أن واقعات الزواج في المحافظتين كلتيهما تبلغ يوميا 100 حالة وسطيا، قرابة عشر معاملات منها تجري في المحكمة الشرعية”.
وبعكس الزواج وتدني أعداده العامة، شهد الواقع السوري بعد الحرب ازدياداً ملحوظاً في حالات الطلاق ونسبه لأسباب متنوعة: اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية وكان سفر الذكور أيضاً عاملاً رئيساً في طلاق زوجاتهن، وكانت نسب الطلاق في سورية تراوح وسطياً بين 8 و10 في المئة قبل 2011، غير أن هذه النسبة ازدادت ازدياداً كبيراً بعد هذا التاريخ، ولا تتوافر إحصاءات رسمية لعدد واقعات الطلاق ونسبها.
يمكن للحرب أن تنتهي، لكن آثارها المديدة ستبقى طويلا وخصوصا على النساء اللواتي تعرضن لبعض أو أنواع العنف كله المباشر وغير المباشر: من القتل والخطف والاغتصاب والتحرش إلى التهميش والفقر والحاجة والعنوسة والطلاق وسوء المعاملة وامتهان الكرامة.
إن أمراً واحداً مما سبق يمكن له أن يترك ندوبا ورضوضا نفسية مديدة الأثر في عالم المرأة من الصعب أن تتخلص منه من دون الحصول على المساعدة اللازمة والجو السليم، وهما أمران غير متوفرين مع استمرار الحرب، على العكس تماما، يساهم استمرار المتغيرات القهرية في تعميق جروح المرأة وتوسيع الشرائح المُعّنفة منها، وهو ما يترك بصمته السلبية على المجتمع وعلى قدرة التعافي لديه للخروج من نفق الأزمة إلى طريق التنمية المستدامة.
أثرت الحرب بشكل سلبي على النساء حيث جعلت الخدمات الصحية بشكل عام وخدمات الصحة الإنجابية لا تصل إلى الكثير من النساء السوريات، وذلك بسبب تأثـر قطاع الصحة بشكل كبير نتيجة الاعتداءات الإرهابية المتكررة والتي تقصدت المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية.
وتعتبر المضاعفات المتصلة بالحمل والولادة مــن أبـرز أسباب الوفيات والمـرض بين النساء في سن الإنجاب، فالنساء الأكثـر فقراً والأصغر سـناً هن اللائي يتعرضن دوماً لأعلى المخاطر، بسبب عـدم ملاءمة أو ضعـف نوعية المعلومات والخدمات المتصلة بالصحة الإنجابية، وإهمال برامج التوعية بالمشاكل التي تواجهها النساء، بالإضافة إلى نقـص الاسـتجابة وقلة الخدمات اللازمة لتلبية الاحتياجات الصحية المتصلة بالإنجاب.
وهو أبرز ما تعرضت له المرأة السورية في الحرب من الناحية الطبية والصحية، ناهيك عن التلوث والأوبئة ونقص المواد الطبية والأدوية نتيجة الحصار الجائر على سورية. وكذلك نقص المياه التي تعرضت له بعض المناطق في سورية حيث حاول الاحتلال التركي وأدواته الإرهابية قطع سبل وصول المياه إلى كثير من المحافظات والمناطق ومنها الحسكة الذي ماتزال إلى يومنا هذا تعاني من هذه الجريمة من قبل الاحتلال التركي.
أما من ناحية تأثير تنظيم داعش الإرهابي على المرأة كان كارثياً، فمثلاً تشكّل زوجات عناصر “داعش” الإرهابي السابقات نسبة كبيرة من سكان المخيمات منها مخيم “الهول” ولم يتوانَ “داعش” عن استخدام هؤلاء النساء كأحد موارده. ويعتمد “داعش” على استخدام النساء في كسلاح هام في إطار إيديولوجيته التوسعية. فقد جذب التنظيم عموماً عدداً كبيراً من النساء والفتيات وجندهن بغرض نشر أفكاره المتطرفة والإرهابية.
وفي عام 2014، أنشأ “داعش” أول كتيبة مسلحة من النساء عُرفت باسم “لواء الخنساء” وضمّت ألف امرأة في صفوفها. وقد شاركت هؤلاء النساء في أكثر من 200 عملية إرهابية، ونفذن مهام الشرطة ضمن التنظيم وروّجن عقيدة “داعش” في مجتمعاتهن. وكما هو مثبت على وسائل التواصل الاجتماعي، يواصل ربما بعض هؤلاء النساء الموجودات أدوارهن في دعم “داعش”. ربما يتمثل أحد أكثر المساعي إثارةً للقلق التي تبذلها النساء المواليات لتنظيم “داعش” في تلقين الأطفال عقيدة التنظيم.
وفي هذه المرحلة تحديداً من تاريخ “داعش”، التي يواجه في خلالها التنظيم الهزيمة والضعف، يشكّل استخدام النساء والأطفال الخطر الأكبر. ونظراً إلى ولاء هؤلاء النساء والأطفال الراسخ، منذ عام 2016، وضع قادة “داعش” استراتيجية لنشر خلايا نائمة في أوساط تجمعات المدنيين المشردين ونساء “داعش”.
إن مواجهة التطرف المنتشر بين نساء “داعش” وأطفالها يرتبط في المقام الأول بسياسة الولايات المتحدة والتحالف الدولي في سورية، إلى جانب الحد من العوامل التي تساهم في زيادة الإرهاب والتطرف هناك، ويُذكر من بينها مثلًا احتلال تركيا لبعض المدن في إدلب وريفها، وهو أيضاً يضع أمام المرأة تحديات أخرى، فهي عُرضة للاعتقال والتغييب القسري من الفصائل المدعومة من تركيا أو القوات التركية.
وفيما يتعلق بتوفير الاحتياجات المعيشية، فإن نسبة قليلة جداً من النساء يعملن في مهن مختلفة من أجل تأمين احتياجاتهن واحتياجات عائلاتهن، إضافة إلى أن نسبة الأمية مرتفعة إلى حد كبير في أوساط النساء اللواتي يبلغن من العمر 30 عاما وما فوق، كما أن نسبة الفقر والبطالة مرتفعة بحكم العادات والتقاليد التي تحد من فرص عمل المرأة.
وفي ظل سيطرة الفصائل الإرهابية على بعض مناطق إدلب وريفها، فإن دور المرأة يعتبر ملغياً بشكل كامل في كل مفاصل الحياة، وذلك بسبب الآيديولوجيا التي تفرضها الفصائل على المنطقة، حيث تصل نسبة البطالة لدى المرأة في تلك المناطق إلى 95 في المائة تقريبا. أما منظمات المجتمع المدني، فيكاد دورها يختفي في ظل سطوة الفصائل المقاتلة، والتي تفرض على المرأة قيوداً صارمة وتمنع أي نشاط نسائي يهدف لتحرر المرأة ومشاركتها في قيادة المجتمع.
من الصعب المبالغة في تقدير مدى سوء الأمور في سوريا على جميع الشرائح ومن ضمنها النساء. حيث وفقاً للمقررة الخاصة للأمم المتحدة ألينا دوهان ” يضطر 90 بالمائة من جميع السوريين اليوم للعيش تحت خط الفقر مع وجود حوالي 12 مليوناً يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد”.
وهناك أدلة قاطعة على أنّ العقوبات الأمريكية تقتل الآلاف في سوريا التي تجوعها الولايات المتحدة منهجياً لأغراض سياسية واقتصادية تخدم مصالحها الناهبة حول العالم، وهكذا تتسبب في موت ومعاناة هائلة عندما تشن حرب اقتصادية ضد مواطني بلد ما.
حيث أكد الخبراء أن الناس في البلدان المستهدفة بالعقوبات، يغرقون في الفقر لأنهم لا يستطيعون الحصول على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والإسكان والمياه والغاز والوقود، ناهيك عن الأدوية والغذاء، بالطبع هذا الوضع يشمل الجميع بمن فيهم النساء.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال