المساعدات الأمريكية للأكراد في سوريا والعراق بين إدارة بايدن ومستقبلها مع ترامب
تعد المساعدات الأمريكية للأكراد في سوريا والعراق جزءا محوريا من السياسة الأمريكية في منطقة غرب أسيا خلال العقد الأخير.
ففي عهد الرئيس جو بايدن، استمرت هذه المساعدات لدعم القوات الكردية. ومع ذلك، يثار تساؤل حول مستقبل هذه المساعدات مع عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم، خصوصا مع سجل سابق يعكس توجهاً مختلفاً تجاه الدعم الكردي.
المساعدات الأمريكية خلال عام 2024
أفاد التقرير الفصلي الثالث لوزارة الدفاع الأمريكية لعام 2024 بأن الولايات المتحدة قدمت مساعدات تفوق قيمتها 57 مليون دولار للقوات الكردية في العراق وسوريا.
ونشر التحالف المزعوم الذي تقوده الولايات المتحدة تقريرا عن المساعدات المالية واللوجستية التي قدمتها للقوات الكردية في العراق وسوريا، والتي بلغت أكثر من 57 مليون دولار خلال الربع الثالث من عام 2024.
ووفقًا لما نقلته "ميدل إيست نيوز"، قدمت الولايات المتحدة خلال هذه الفترة 14.3 مليون دولار لقواتها المتحالفة في سوريا، منها 7.4 مليون دولار لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بينما تلقت قوات كردية أخرى تحت مسميات "قوات مكافحة الإرهاب"، "الكوماندوز"، و"الأسايش" على التوالي 700 ألف دولار، 900 ألف دولار، ومليون دولار. وقد خُصصت بقية المساعدات المالية الأمريكية لجماعات أخرى متحالفة مع الولايات المتحدة في سوريا.
وبحسب تقرير "كرد برس"، دفعت الولايات المتحدة في الربع الأخير من عام 2024 ما يقارب 30 مليون دولار لتغطية نفقات وزارة شؤون البيشمركة في إقليم كردستان العراق، إضافة إلى 2.7 مليون دولار تم تخصيصها للمواد الغذائية والوقود لوزارة البيشمركة.
كما قدمت واشنطن 2.9 مليون دولار كمساعدات مالية للقوات الخاصة التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق.
وبالإضافة إلى ذلك، تلقت وزارة شؤون البيشمركة في إقليم كردستان العراق مبلغًا إضافيًا قدره 4.7 مليون دولار لتغطية نفقات متفرقة. أما بقية المساعدات المالية الأمريكية فقد تم تخصيصها لقوات عسكرية أخرى تابعة لوزارة الدفاع العراقية.
توجهات سياسية متناقضة في ظل ترامب
يأتي هذا التقرير في وقت يتزايد فيه نقاش الأحزاب الكردية حول احتمال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، بعد وصول دونالد ترامب، إلى سدة الرئاسة الأمريكية.
وفي هذا الصدد، نقلت وكالة “باسنيوز” الكردية عن سكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سوريا، شلال كدو، تأكيده السبت أنه في حال انسحبت أمريكا من سوريا سوف تتجه “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” إلى دمشق.
وأضاف أن “هناك تغييرات كبيرة سوف تجري في المنطقة والكرد السوريين بحاجة إلى رص الصفوف وبحاجة إلى سياسة واضحة وحازمة وإلى دبلوماسية نشطة للتفاعل مع هذه التغييرات”.
وأكد كدو، أن بعد فوز ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية، يزداد احتمال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، إذ قال: “إن ملف انسحاب الجيش الأمريكي من مناطق شمال شرقي سوريا وارد جداً بعد فوز الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية” مشيراً إلى أن “ملف الانسحاب سوف يكون من المنطقة عموماً على طاولة الرئيس حين استلام مهامه بعد أقل من شهرين من هذا التاريخ”.
وأضاف أن “هذا الملف أو هكذا قرارات صعبة ربما تدرس أو تتخذ بعد ثلاثة أشهر من استلام الرئيس الجديد لمهامه الرئاسية”.
من جهته، أشار رئيس مكتب العلاقات العامة لـ”تيار المستقبل الكردي في سوريا” فادي مرعي، قبل أيام، إلى أن ملف الانسحاب الأمريكي من سوريا هو ملف معقّد جداً، لافتاً في الوقت نفسه، إلى أن “الوضع السوري بشكل عام بعد جملة التغيرات الدولية والإقليمية لم تعد من أوليات الدول”، وفق ما نقلته وكالة “باسنيوز” الكردية.
وأكد أن علاقة أمريكا مع “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” هي علاقة “عقود لا غير ولا توجد اتفاقات سياسية بينهم” وقال: “في ظل جميع الإدارات الأمريكية حيث أكثر من مرة صرحت أمريكا بأن علاقتها مع قسد عقود لا غير لا توجد اتفاقات سياسية بينهم”.
وقبل فوز ترامب، بأيام قليلة أفادت تسريبات صحفية بوجود توجّس لدى “قسد” من وصول ترامب إلى منصب الرئاسة الأمريكية، وذلك نظراً للقرارات التي اتخذها خلال فترة رئاسته السابقة التي امتدت بين عامي 2017- 2021، إذ سحب بعض قواته من مناطق الشمال السوري وأعطى الضوء الأخضر لتركيا بشن عمليتي “نبع السلام وغصن الزيتون” شمالي البلاد.
ونقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر مطلعة أن “الأكراد يدركون أن مدة ولاية ترامب الجديدة ستشكّل خطراً جديداً عليهم بعد تجربتَي عفرين وتل أبيض ورأس العين”.
ولفتت المصادر إلى أن “الأكراد يخشون من سيناريو أن تعمل أمريكا على توريث مناطق نفوذها إلى تركيا، إمّا بالانسحاب الكامل من سوريا أو السماح بعمليات عسكرية تدريجية ضدهم”.
ورجحت مصادر “الأخبار” أن “تعمل قسد على تحسين علاقتها مع روسيا ودمشق للجوء إليهما في حال ظهرت أيّ بوادر لانسحاب أمريكي، كما حصل في عام 2019 بعد قرار ترامب الانسحاب الكامل، قبل التراجع عن ذلك والإبقاء على قوات في محيط آبار النفط والغاز”.
وفي الآونة الأخيرة التي سبقت فوز ترامب، بالانتخابات الرئاسية انتشرت تسريبات أمريكية عدة أفادت بأن ترامب، يؤيد خيار الانسحاب من سوريا، ففي 7 تشرين الثاني الجاري، قال روبرت كينيدي جونيور، حليف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب: “كنا نتحدث عن الشرق الأوسط، حين أخذ (ترامب) قطعة من الورق ورسم عليها خريطة للشرق الأوسط مع جميع الدول عليها.. وكان ينظر بشكل خاص إلى الحدود بين سوريا وتركيا” وفق ما نقله موقع “ميدل إيست أي”.
نقل كينيدي عن ترامب قوله: “لدينا 500 جندي عند الحدود بين سوريا وتركيا ومعسكر صغير تم قصفه، بينما هناك 750 ألف جندي في تركيا و250 ألفاً في سوريا.. إذا واجهوا بعضهم بعضاً، فنحن في الوسط”.
وأشار إلى أن “الجنرالات” أبلغوا ترامب أن القوات الأمريكية ستكون “وقوداً للمدافع” إذا اشتبكت تركيا و”الوحدات الكردية” وحينها رد ترمب: “أخرجوهم”.
الحراك التركي
وفي آب 2024 كشف مستشار الأمن القومي السابق لترامب، هربرت ماكماستر، عن محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لإقناع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خلال فترة رئاسته السابقة، بالانسحاب من سوريا، وذلك في كتابه “في حرب مع أنفسنا: جولتي في الخدمة في البيت الأبيض في عهد ترامب”.
وأشار ماكماستر، إلى أنه جرت مكالمة هاتفية بين ترامب وأردوغان، في 24 تشرين الثاني 2017 ووصف فيها أردوغان، استمرار نقل الأسلحة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” بأنه إهدار للمال، ليجيب ترامب بقوله: “أنت على حق، هذا أمر سخيف”.
ومؤخرا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومسؤولون آخرون في تركيا إن أنقرة تكثف جهودها لحمل الولايات المتحدة على إعادة النظر في دعمها للمسلحين الأكراد في سوريا. وألمح أردوغان مجدداً إلى إمكانية شن هجوم جديد عبر الحدود.
ونقلت صحيفة “ميليت” عن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قوله، الإثنين: “نذكر نظراءنا الأمريكيين باستمرار بضرورة وقف تعاونهم مع المنظمة الإرهابية في سوريا”.
وأضاف “اتصالاتنا بشأن هذه القضية زادت، ونرى أن الجانب الأمريكي حريص أيضاً على المزيد من المحادثات والمفاوضات”.
وقال أردوغان، الأحد، إن تركيا ربما تشن هجوماً جديداً في شمال سوريا لإنشاء مناطق آمنة جديدة على الحدود، وذلك بعد أن قال يوم الجمعة إنه سيناقش انسحاباً محتملاً للقوات الأمريكية من سوريا مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
في الختام يمكن القول، بينما تستمر إدارة بايدن في تقديم الدعم للأكراد، فإن عودة ترامب للرئاسة تشكل تحديا كبيرا لهذه السياسة. على الأكراد الاستعداد لمرحلة جديدة قد تتطلب تحالفات مختلفة مقابل القرار الأمريكي والتحرك التركي. تظل دمشق وجهة محتملة لقسد، ولكن هذا الخيار يتطلب إعادة النظر في العلاقات مع الحكومة السورية. مستقبل الدعم الأمريكي للأكراد إذن ليس مرهونا فقط بالانتخابات الأمريكية، بل أيضا بالتطورات الإقليمية التي ستحدد شكل المعادلات السياسية للأكراد في سوريا والعراق.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال