تحاول الحكومة العراقية خلال الأشهر القليلة الماضية التوسط بين تركيا وسورية لتحسين علاقات أنقرة مع دمشق. ففي مقابلة مع شبكة تلفزيونية تركية الأسبوع الماضي، أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ما طرح سابقاً في إعلان رسمي عن جهود بلاده للتوسط بين سورية وتركيا.
في البداية، تجدر الإشارة إلى أن تركيا العثمانية وبلاد الشام كانا مرتبطين بشكل وثيق ومستمر لعدة قرون حتى أدى صعود أتاتورك إلى السلطة في تركيا وإنشاء حدود سورية جديدة من قبل الاستعمار الفرنسي إلى فصل البلدين. في الوقت نفسه، أدت تطورات ما بعد الحرب العالمية الثانية بتركيا وسورية إلى طريقين مختلفين، وفي السنوات التي تلت ذلك زادت المسافة بينهما وشهدت العلاقات الثنائية بين تركيا وسورية العديد من حالات الصعود والهبوط حتى السنوات الأولى من القرن 21 متأثرة بثلاثة اختلافات رئيسية حول الأكراد، وتقسيم مياه دجلة والفرات والنزاع الإقليمي على منطقة هاتاي. مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 بقيادة رجب طيب أردوغان في تركيا وتغيير موقف السياسة الخارجية الإقليمية للبلاد ، تحسنت العلاقات مع سورية. لكن منذ عام 2011 ، واجهت سورية أزمات واضطرابات داخلية وتقلبت سياسة تركيا الخارجية في مواجهة هذه الأزمات من الوساطة إلى التدخل، وفي السنوات الأخيرة كان هناك تدخلاً واضحاً في الوضع الداخلي السوري من خلال هجمات وعمليات مباشرة على الأراضي السورية.
وتجدر الإشارة إلى أن تركيا دعمت جماعات المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل في صفها منذ بداية الأزمة للإطاحة بحكومة الأسد الشرعية وذلك قبل أن يغيير أردوغان موقفه من دمشق عام 2022. على الرغم من أنه قبل التغيير في نهج أنقرة فشلت جهود الوساطة الروسية لإحياء العلاقات بين البلدين الجارين، والآن بعد موقف أردوغان المنفتح والجهود الأولية في المنطقة، نرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مقابلة مع وسائل الإعلام التركية ، في إشارة إلى إمكانية إعادة إحياء التواصل بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منوهاً إلى الجهود العراق الرامية إلى تحقيق هذه المصالحة مضيفا: سنرى الإجراءات المتخذة في هذا الصدد. ونقلت وسائل إعلام تركية عن مصادر عراقية رسمية قولها إن الحكومة العراقية في إطار جهودها للمصالحة بين سورية وتركيا، وقد فرت الشروط اللازمة لاستضافة مسؤولين من البلدين لعقد اجتماع مباشر وأن الاجتماع سيعقد في بغداد قريبا.
لكن من ناحية أخرى وبالتوازي مع الأخبار المتداولة، أكد مسؤول رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي العراقي أيضاً هذه الجهود وقال: "إن الحكومة السورية لا تبدي حماساً كبيراً لهذه الوساطة، لكن العراق يواصل جهوده لإقامة المصالحة بين البلدين لأن هذا الموضوع يصب في مصلحة الجميع "وخاصة أمن الدول الثلاث". وسبب الموقف السوري هو أنها ترفض المفاوضات المباشرة مع تركيا في الوضع الحالي في ظل وجود قوات تركية وتعتبر أن " التقارب مع تركيا يجب أن يكون دون تقديم أي تنازلات" لانها تسعى دائما إلى وضع شروط للمفاوضات المباشرة مع تركيا تتعلق قبل كل شيء بمسألة الوجود التركي على الأراضي السورية. فالأمر يتعلق بسورية وهو الأمر الذي يبدو الآن مقبولاً من جانب تركيا وربما تتحرك بشأنه. وقد بدأنا نشهد ذلك فقد أعلن وزير الدفاع التركي "يشار غولر" عن إعادة النظر في انسحاب قوات هذا البلد أي من الأراضي السورية.
وبالنظر إلى دور بلاده في تحسين العلاقات الإيرانية السعودية، يرغب العراق إلى تكرار تلك التجربة للمصالحة والحوار المباشر بين سورية وتركيا لأنه إذا نجح في هذه القضية وساهم في إرساء السلام والمصالحة وتحسين العلاقات التركية السورية مع تعزيز موقف العراق السياسي في المجال الدبلوماسي للمنطقة، فإنه سيحسن أيضا علاقاته الثنائية المباشرة مع تركيا، وعلى وجه الخصوص في مسألة مهمة جدا حول الاتفاق السابق مع الأتراك بما يخص السيطرة على أنشطة الجماعات الإرهابية الكردية في إقليم كردستان العراق، والتي يمكن أن تكون خطوة جيدة لنزع السلاح وإنهاء أنشطتهم الإرهابية.
الجدير بالذكر أيضاً إلى أن نجاح العراق المحتمل في هذه الوساطة بين تركيا وسورية هو أيضاً من أجل إنهاء وجود قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة (قسد) والتي تسيطر على أجزاء من الشرق السوري. وقال السوداني إن قسد تعتبر مصدر التهديدات الأمنية في العراق وسورية وهي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية. [6]وإن إخراج تلك القوات من شرق سورية يعني استعادة السيطرة الكاملة للحكومة السورية على جميع أنحاء البلاد، و في نفس الوقت تتخلص تركيا من أحد أخطر التهديدات الأمنية على حدودها ويتم الحفاظ على أمن الحدود العراقية المشتركة مع سورية.
في الختام، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن العراق لديه فرصة جيدة للنجاح في هذه الوساطة إلا أن التطورات السياسية السريعة وعمق التوترات بين البلدين فضلا عن تأثير الدول الأخرى في المنطقة والعالم على التطورات الحالية، تجعل النجاح النهائي لجهود العراق يعتمد على مدى استعداد الأطراف لبدء المحادثات والالتزام بالمفاوضات وجديتها في هذا المجال.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال