المعارضة السعودية في مواجهة تاريخ من القمع 14

المعارضة السعودية في مواجهة تاريخ من القمع

منذ البذور الأولى لنشأة “الدولة” السعودية عام 1902 بعد استيلاء عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود على الرياض، ومن ثم الاحساء والحائل والحجاز حتى تكوين هذا الكيان الذي عرف باسم المملكة العربية السعودية عام 1932، ولا تزال حالة الرفض والمعارضة قائمة لهذا النظام المبني على أساس حكم الأسرة الواحدة بالحديد والنار والقتل والدم والاستئثار وكم الأفواه.

منذ ذلك الوقت، أي منذ قرن من الزمن، إلى وقتنا هذا، يمنع تشكيل أي تنظيم أو حزب سياسي والحصول على إذن بالممارسة السياسية، فيما تمت قوننة ذلك عبر قانون أمن الدولة عام 1961 الذي ينص على عقوبات تصل إلى الإعدام على كل من يعارض النظام ويمارس أعمالًا سياسية حزبية. ورغم حالة القمع هذه، فقد تأسست الكثير من الأحزاب والحركات الثقافية والفكرية مذاك، فيما كانت السلطة ترفض ذلك وتحاربه بشكل دائم.

أولًا: بداية المعارضة والتمرد

كان من أبرز هذه الحركات التحالفات القبلية كتحالف العرائف مع أبناء أخوالهم من قبيلة العجمان في المنطقة الشرقية عام 1908، والذي تم إخماده وإسكاته بالقوة العسكرية وإعدام قادته عبر حركة “إخوان من أطاع الله”، ومن ثم كان من أبرز الحركات التي انقلبت على السلطة بعد ذلك حركة الإخوان نفسها، إلى أن تم القضاء عليها عبر معركة السبلة، والارطاوية، حتى الانتهاء منها كليًا عام 1930.

توالت حركات التمرد التي أخذت أشكالًا أخرى منها تمرد الأمراء حيث أخذت تطفو إلى السطح مظاهر التذمر والرفض والمعارضة بسبب السلطة والمال، خاصةً في فترة التسعينيات، وكان على رأس هؤلاء الأمراء سلطان بن تركي بن عبد العزيز الذي اختُطف في سويسرا في منتصف شهر حزيران 2003 ووضع تحت الإقامة الجبرية بسبب مطالبته بالإصلاح السياسي، وكذلك تركي بن بندر الذي كان يعترض على سياسة السلطة ضد المتظاهرين خاصةً في البحرين، بعد أن كان ضابطًا في وزارة الداخلية، وكذلك طلال بن عبد العزيز الذي استقال من هيئة البيعة عام 2011، والأمير خالد بن فرحان آل سعود الذي انشق عن النظام عام 2013، وغيرهم الكثير من الأمراء المعارضين لهذه السلطة.

ثانيًا: ابن سلمان الدكتاتوري

هذه المعارضة تصاعدت بعد وصول الملك الحالي سلمان إلى العرش في كانون الثاني 2015، وتولي ابنه محمد ولاية العهد، حيث بدأ بتعزيز سلطته عبر تهميش الشخصيات الملكية القوية واحتكار القرار، وإسكات أصوات المعارضة بما فيها أصوات النشطاء البارزين وعلماء الدين وكبار أعضاء العائلة المالكة، وحتى الشخصيات المُعارِضة في الخارج. وقد أدّى نهجه العدواني إلى زيادة ملحوظة في معارضي النظام في الخارج والداخل، سواء تلك المنضوية تحت حركات أو التي تعارض بشكل منفرد وهي كثيرة لا مجال لذكرها، ولكن على سبيل المثال هناك من الحركات “جبهة المعارضة السعودية الديمقراطية”، وحركة “خلاص”، ومجموعات “حراك 2011″، والجماعات والحركات الدينية، و”لقاء المعارضة في الجزيرة العربية” الذي أعلن عنه مؤخرًا. ومن الشخصيات، إسراء الغمغام، تركي الحمد، فؤاد ابراهيم، حمزة الحسن، الناشط رائف بدوي، سعد الفقيه، صفاء الأحمد، محمد فهد القحطاني، لجين الهذلول، سلمان العودة، عوض القرني، يوسف الأحمد، إبراهيم الفارس، إبراهيم الناصر، سعد الجبري، الشهيد الشيخ نمر النمر، الصحافي جمال خاشقجي الذي وجّه محمد بن سلمان بتقطيعه في السفارة السعودية بتركيا وتحولت قضيته إلى قضية عالمية.

المعارضة السعودية في مواجهة تاريخ من القمع

عملت السلطات السعودية على ملاحقة معارضيها حتى أولئك الذين تركوا البلاد وهربوا إلى الخارج، وقامت المخابرات باختطاف وتصفية عدد من المعارضين بطريقة غامضة وفق نهج سلطوي دكتاتوري قمعي، إلى أن كان المثال الأكثر شهرة هو قتل جمال خاشقجي بوحشية لا مثيل لها، جعلت من محمد بن سلمان مجرمًا أمام كل العالم يحاول تلميع صورته بدفع الأموال والذهاب نحو تغريب السعودية. وقد تعرّض آخرون للترهيب في محاولة لإسكاتهم، ومع ذلك لم يهدأ المعارضون لهذا النظام القمعي، حيث يستمرون بكشف سياساته أمام الداخل والخارج.

ورغم كل نهجه العدواني، إلا أن السلطة السابقة لم تصل إلى المستوي القمعي المتفاقم الذي يتعامل به محمد بن سلمان. فمع أن العهود السابقة لم تكن تعترف بشرعية وجود المعارضة لكنها في فترات سابقة كانت تصدر عفوًا ملكيًا على المعارضين في الخارج أبرزها عندما تولى الملك خالد السلطة عام 1975 وكذلك الملك فهد. وتشير صحيفة الـ”تلغراف Telegraph” البريطانية في هذا السياق إلى أن السلطة الحالية تصعد تهديداتها ضد المعارضين السعوديين في لندن في ظل نهج قائم على سحق أي معارضة سلمية داخل وخارج المملكة، وقالت الصحيفة في تقرير لها “هناك مخاوف لدى المعارضين السعوديين، من تكرار السيناريو الذي تعرض له الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول”.

وقد أكدت وزارة الخارجية الأميركية، في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان، أن السعودية ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان كالقتل غير المشروع والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي للمعارضين، مشيرةً إلى أن “الرياض استخدمت حملات مكافحة الفساد ذريعة لاستهداف المعارضين السياسيين”.

ثالثاً: الاعتقال التعسفي

وتُسكت السعودية كل الأصوات المعارضة لها، بغض النظر عن مكانة هؤلاء وسنهم وصحتهم، ومنهم ايضًا آية الله الشيخ حسين الراضي الذي لا يزال معتقلًا منذ عام 2016، لأنه كان يعبر عن رأيه، ويعمل على توعية الناس ثقافيًا واجتماعيًا، ويبين لهم حقوقهم التي يفترض أن يتمتعوا بها كبشر خلقهم الله أحرارًا وسواسية مع كل الناس الآخرين.

سنوات ثمانٍ مرت على اعتقاله في ظل الحرمان والتهديد والانتقام، ومما يزيد من القلق والخوف على حياته انتشار فيروس كورونا، علمًا أنه يشكو من مرض القلب، ما يسلتزم رعاية صحية خاصة ومتابعة ضرورية. غير أن الحرمان من الطبابة والعلاج والإهمال المتعمّد والخدمات غير المجدية، تهدد المعتقلين وخاصة كبار السن منهم.

وقامت رئاسة أمن الدولة السعودي باعتقال عشرات الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال والأكاديميين والكتاب والشخصيات الإسلامية، تحت حجة التحريض على العنف ضد الدولة والعمل على الإخلال بأمنها واستقرارها وكذلك تحت حجة الفساد وغيرها، في حين أن الدولة لم تقدّم إثباتات على ذلك ولم يحاكم هؤلاء. وقد استهدف النظام في عهد سلمان وابنه جميع التيارات، بالملاحقة والاعتقال والعنف، وقلما توجد عائلة لم يتم اعتقال فرد أو أكثر منها بسبب التعبير عن الرأي.

سيتضاعف ما يقوم به ابن سلمان، باستخدام حجج مختلفة، منها ما يتعلق بالسياسة الخارجية كما حال انتقاد الحرب على اليمن، أو تحت حجة الإصلاحات الداخلية كمساعيه نحو تقليل النفوذ الديني والولوج إلى مرحلة علمنة المملكة، وفيما قد لا يحقق المُعارضون في الخارج التغييرات المرجوة، إلا أن قدرتهم المتزايدة على الضغط دوليًا سوف تزيد من عزلة هذا النظام القمعي، فالوضع المتردي على المستوى الحقوقي وتراجع منسوب الحريات واستهداف المعارضين يشكل دافعًا كبيرًا يجعل المعارضة تعتمد على التنظيم والمأسسة، كما فعل لقاء المعارضة في الجزيرة العربية. 

د. علي مطر

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال