732
خلال الفترة الماضية وبعد انتهاء الانتخابات العراقية الأخيرة وحسم نتائجها برزت أهمية القوى السياسية المؤمنة بفكرة المقاومة في العراق من جديد (1). وأظهرت الانتخابات الأخيرة مع فوز الجماعات المؤيدة لفكرة المقاومة نهجًا جديدًا للولايات المتحدة ودول المنطقة وذلك نحو الاستقلال السياسي للبلاد. في الأشهر الأخيرة هدد ممثلو الولايات المتحدة في العراق مرارًا وتكرارًا البنية السياسية العراقية بضرورة الابتعاد عن مؤيدي فكرة المقاومة وأن يكون مستقبل العراق السياسي متوافقًا مع النماذج الغربية. توضح هذه التهديدات من الدول الغربية والنتائج الحاسمة إجابات العديد من الأسئلة حول مستقبل العراق. فيما يلي سنتناول الانتخابات العراقية لعام 2025؛ اختبارًا لاستقلال البلاد وتوازنها الإقليمي.
التنافس بين التقاليد والتغيير: كانت الانتخابات المقبلة مسرحًا للمواجهة بين الأحزاب التقليدية والتيارات التنموية المطالبة بالعدالة والإصلاحات المؤسسية. بناءً على دراسات أجرتها مراكز أبحاث غربية حول التحديث السياسي والاجتماعي في العراق، والتوجه المتزايد للشباب نحو مختلف المجالات في البلاد، اتضح خطأ تحليل الدول الغربية لتغير فكر الشعب العراقي وابتعاده عن تقاليده العرقية والقبلية. فعلى الرغم من مقاطعة بعض الكتل السياسية(2) لوحظت زيادة ملحوظة في عدد المشاركين في الانتخابات وتزايد ملحوظ في مقاعد الكتل السياسية القريبة من التيار الشيعي العراقي.
لذلك سيظل التنافس بين التيارين التقليدي والإصلاحي في العراق محتدمًا وسيكون لهذين التيارين حضور قوي في المستقبل السياسي للعراق ولا يمكن إلغاؤه.
النظام النسبي وتحدي الشرعية: يمكن للعودة إلى النظام النسبي أن تعزز تماسك التحالفات، لكنها تحمل أيضًا خطر انخفاض المشاركة وانعدام الثقة العامة. ففي الانتخابات الأخيرة وعلى الرغم من الأجواء الإعلامية الغربية وتوقعات انخفاض نسبة المشاركة مقارنةً بالانتخابات العراقية السابقة، التي بلغت حوالي 45% شهدت الانتخابات زيادة بنسبة 11%.(3) لقد حظي النظام النسبي في الانتخابات العراقية رغم الانتقادات التي وُجهت إليه وما قد يُسببه من أضرار في بعض العمليات الانتخابية العراقية، بثقة الشعب العراقي حتى الآن ويؤكد ازدياد مشاركة الشعب العراقي هذا الادعاء. إن حماية السيادة الوطنية وأي تدخل أجنبي وخاصة من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، يُشكل تهديدًا للاستقلال السياسي للعراق.
إن تعزيز المؤسسات المحلية هو السبيل لضمان استقلالية صنع القرار. وفي هذا الصدد يُمكننا الإشارة إلى تصرفات الممثل الخاص للولايات المتحدة في العراق الذي كان يتدخل علنًا في الشؤون السياسية للبلاد في الأشهر الأخيرة ويُثير فتنة جديدة في العراق والتي أحبطها يقظة الشعب العراقي.
بالنظر إلى الانقسامات التقليدية في العراق، فإن البنية السياسية في هذا البلد بحاجة ماسة إلى وجود أحزاب كبيرة وقوية لا تعتمد على الأفراد، بل تستند فقط إلى خطاب يوحد الشعب. ويُقال إن التجربة السياسية في لبنان مفيدة للبنية السياسية في العراق.
وحدة الأمة والمرجعية والمقاومة: إن استمرارية توحيد المرجعية الدينية والشعب وقوى المقاومة تضمن أمن العملية الانتخابية وشرعيتها. إن الحضور الواسع لمؤيدي أيديولوجية المقاومة في الانتخابات العراقية ونجاح هذه الحركة فيها يدل على استقرار جماعات المقاومة في البنية السياسية للعراق.
محور المقاومة والتعاون الإقليمي: إن الارتباط الاستراتيجي للعراق بمحور المقاومة (إيران ولبنان واليمن وفلسطين) يمكن أن يحل محل الاعتماد على الغرب. وقد أثبتت طهران في السنوات الأخيرة أنها صديقة لبغداد في الأوقات الصعبة ويمكن للحكومة العراقية المستقبلية تسهيل الخطط التنموية لمحور المقاومة في منطقة غرب آسيا. إن تعزيز التعاون بين البلدين يمكن أن يُحقق نتائج إيجابية عديدة للمنطقة بل وللطرفين. كما أن نتائج الانتخابات العراقية تُعزز التعاون متعدد الأطراف لمحور المقاومة في منطقة غرب آسيا.
انسحاب القوات الأجنبية: يجب على الحكومة العراقية الشعبية المستقبلية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل انسحاب القوات الأجنبية من البلاد. فالاستقلال الحقيقي للعراق يتحقق عندما يطرد القوات الأجنبية من أراضيه بإرادته السياسية، ويتخذ في المرحلة التالية قراراته الوطنية دون مراعاة لمطالب الدول الغربية.
الخلاصة
لا بد من القول إن الانتخابات العراقية كانت مرحلة مهمة في البناء السياسي المستقبلي الناجح والمستقر للعراق. في المستقبل سنشهد انتقام الولايات المتحدة وحلفائها من العراق، لأنه مع كل الخطوط والمؤشرات التي رسمها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة للشعب العراقي فإن كل من لا ترغب عنه للدول الغربية أن يشارك في السلطة في العراق، قد استولى وسيقود السلطة في هذا البلد وهذه الرسالة ستكون مؤلمة لإدارة ترامب.
أمير علي يگانه
1. https://www.aljazeera.com/news/2025/11/12/iraqi-pm-al-sudanis-coalition-comes-first-in-parliamentary-election
2. https://apnews.com/article/iraq-election-boycott-sadr-parliament-9254f80e8b53b7786f15c93926b21095
3. https://www.reuters.com/world/middle-east/coalition-led-by-iraqi-pm-sudani-comes-first-iraqs-parliamentary-election-two-2025-11-12/
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال