الحرب العالمية على الطاقة، هي عنوان الصراع الجيوسياسي المفصلي الذي تفتعله الهيمنة الأميركية. لكن حزب الله يدخل في الدفاع عن الحقوق، قطباً مؤثراً في المعادلات الدولية.
المقاومة التي أرست تبادل الردع في المعادلة الإقليمية ضد “إسرائيل”، تُرسي اليوم معادلة رعب الطاقة، التي تتجاوز، في شرق المتوسط، الصراع مع “إسرائيل” إلى الصراع ضد الهيمنة الأميركية، حامية القرصنة الإسرائيلية.
هي معادلة دولية في خضم الصراع الجيوسياسي بين روسيا و”الناتو”، إيذاناً بولادة عالم آخر على حساب الاتحاد الأوروبي، في المقام الأول، وبين الشرق الذي يشمل عالم الجنوب، ولا سيما المنطقة العربية ــ الإسلامية.
الحرب التي افتعلها بايدن في أوكرانيا ضد روسيا، هدفها المُعلن خنق موسكو في القمقم، انتقالاً إلى تحجيم الصين، والتوهّم بقرن أميركي جديد يفرض سيطرته مرّة أخرى على العالم، وإخضاع تطلعات التحرّر في عالم الجنوب.
الاتحاد الأوروبي المشبَع بالإلحاق والتبعية للأطلسي، يدفع أثمان مصالح شركاته متعددة الجنسية في أحضان بايدن، الذي يوهم المجتمعات الأوروبية المكلومة بتقسيمها إلى قسمين شرقي وغربي، إثر الحرب العالمية الثانية، أن وراء الحرب في أوكرانيا عدوانية روسية للعودة إلى تقسيم أوروبا، خلافاً “لعقيدة بوتين” التي ترى أن أوروبا القاريّة تشمل روسيا أيضاً في مواجهة الجزُر العدوانية بطبعها كبريطانيا وأميركا.
ولا تُخفي الصورة البرّاقة في قمة دول السبع، في بافاريا الألمانية، وقمة “الناتو” في البرتغال، واقع ارتدادات حرب الطاقة على دول الأطلسي في عقر دارها، نتيجة عقم خيارها الاستراتيجي الذي ينقلب عليها وبالاً يهدّد بتفسّخ استقرارها الاجتماعي والأمني والسياسي… ذلك أن “أزمة الطاقة” تتعدّى النفط والغاز إلى الصناعة والزراعة والسياحة، وإلى شركات الاستثمار والبورصة، وما تسميه “سلاسل الإمداد”.
تحلّل الاستراتيجية الصبيانية يؤدي بها إلى المزيد من المكابرة الضحلة، في التخيّل أن خوضها حرب استنزاف شديدة الأعباء الاستراتيجية على أوروبا في أوكرانيا، يُجبر بوتين على التراجع إلى حدود الكرملين “حين يتوفّر له حفظ ماء الوجه” (ماكرون).
فتبدو، كما بايدن، مصابة بمعضلة “ألزهايمر” تحدو بها إلى اليقين بإعادة إعمار أوكرانيا (محاولة رصد أولي 1000ــ 1500 مليار يورو)، ولا تستفيق على إعلان بوتين “أن المعركة الجدّية لم تبدأ بعد”، في إشارته إلى عالم ما بعد أوكرانيا التي سبق فيها السيف العزل، وإلى إمكانية إعادة النظر في عقيدة روسيا لجهة انتمائها إلى القارية الأوروبية.
استراتيجية المشاركة في تغيير عالم الهيمنة الأميركية
المقاومة المشاركة في المعادلات الدولية في مواجهة “إسرائيل” والمشاريع الاستراتيجية الأميركية السابقة في المنطقة، تدرك بخبرتها التراكمية في المواجهة أن انحطاط استراتيجية “الناتو” في الحرب العالمية على الطاقة هو الفرصة الذهبية لانتزاع حقوق لبنان، والحقوق العربية، في شرق المتوسط، ضد “إسرائيل”.
في عرضه الاستراتيجي الأخير، أرسى السيد نصر الله حجر الزاوية لخريطة طريق منع “إسرائيل” من القرصنة. لقد تناول “حقل القرش” لماماً بصفته خط التماس في الاشتباك مع “إسرائيل”، لكنه صوّب على أميركا التي يتوقف على المشاركة في هزيمة استراتيجيتها النفطية الحل والربط لانتزاع الحقوق.
سجّل أن قدرة أميركا العدوانية لم تعد كما كانت في إبّان غزو لبنان عام 82، وغزو العراق عام 2003 أو الحرب الإسرائيلية عام 2006، وهو ما لا يتيح لـ”إسرائيل” أن تتسلّح بأسنان أميركا لشن الحرب، أو فرض معادلات “سلمية” لمصلحتها.
في التصويب المباشر على ركاكة الاستراتيجية النفطية الأميركية، لم يضيّع السيد تصويب الهدف الأساس بالتعليق على الأحداث الإعلامية المرافقة لجولة بايدن في القدس وجدّة، إنما لخّصه بمواجهة مراهنة بايدن على طاقة شرق المتوسط، إلى أوروبا لحمايتها من استفحال التحلّل الاقتصادي والسياسي، ولتعزيز الوهم بدفاعه عن المصالح الأوروبية، التي فجّرها “الناتو” بالعقوبات على الطاقة الروسية.
اتخذ السيد من مراهنة بايدن دافعاً لا يعوّض من أجل انتزاع الحقوق، بنقل كرة التفجير من “إسرائيل” في “حقل القرش” إلى حضن بايدن في الحرب العالمية على الطاقة.
في هذا السبيل، حدّد السيد تبادل رعب الطاقة أمام بايدن ودول الاتحاد الأوروبي من أجل تبادل المنفعة، التي لا تقتصر على الاعتراف بالحقوق اللبنانية في ترسيم الحدود البحرية، بل تشمل وقف الحرب العلنية والمستترة لمنع التنقيب واستخراج الطاقة.
الحرب رداً على الحرب
تدرك أميركا ودول “الناتو” أن المقاومة في لبنان لا تغرق بحبائل تسويف الحقوق عبر مسرحيات التفاوض، ودعوات “المحافظة على الاستقرار”… إلخ من أجل دعم القرصنة الإسرائيلية. فعندما اشترطت المقاومة على الدولة اللبنانية إجراء المفاوضات لترسيم الحدود، فإنها تشترط تثبيت الحقوق على الورق، وهو أضعف الإيمان.
الخارجية الأميركية تصدر بياناً لدعم المفاوضات الشكلية مع الدولة اللبنانية بعد خطاب السيّد. لكن أجهزة دول “الناتو” العسكرية والاستخبارية تجمع 30 دولة في عاصمة أوروبية بحسب “أكسيوس”، للتنسيق بمواجهة أنشطة حزب الله بعد إطلاق المسيّرات الثلاث.
بتؤدة وبخطوات تراكمية، يتدرّج حزب الله لإحباط مراهنة بايدن والاتحاد الأوروبي ومنع “إسرائيل” من القرصنة النفطية، سواء بمفاوضات تؤدي إلى إقرار الحقوق وتحرير التنقيب والاستخراج، أم بغيرها.
ذهاب بايدن و”الناتو” إلى الاستمرار بالحرب، التي تمنع لبنان من منفعة الطاقة عبر الذرائع المعهودة، التي تتغطى بالسلام والقانون الدولي … إلخ هو تمهيد للحرب العسكرية دفاعاً عن الحقوق، وهي أشرف وأحق من التجويع والإذلال، كما صرّح السيّد.
وفي موازين القوى الدولية والإقليمية، فإن ردّ المقاومة على حرب “الناتو” مقدور عليه، كما الردّ على العدوانية الإسرائيلية. والأصعب على المقاومة في ردّها على الحرب هو “مفاوضات الدولة اللبنانية” للتفريط بالمصلحة العامة.
لكن التفريط يصعّب الردّ والمواجهة ولا يلغيهما، بل ربما تفتح حرب “الناتو” على الطاقة ضد المقاومة آفاقاً في لبنان والمنطقة أكثر إشراقاً من حفرة الاهتراء والانهيار، وعلى قدر أهل العزم تشتد العزائم.
قاسم عز الدين
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال