الملف السوري وتعدد المواقف عند دول مجلس التعاون الخليجي
تعاني دول الخليج الفارسي من نوع من التعدد فيما يتعلق باستئناف العلاقات مع سورية. بداية، في أواخر عام 2018، قررت الإمارات والبحرين استئناف العلاقات من خلال إعادة فتح سفارتيهما في دمشق. واستسلمت المملكة العربية السعودية، التي كانت ذات يوم واحدة من أكبر الداعمين للإطاحة بالرئيس الأسد، أخيراً، وفي العام الماضي، اعترفت بعدم جدوى محاولة عزل سورية سياسياً، واتبعت نفس المسار الذي اتبعته أبوظبي والمنامة.
لكن قطر أبدت عناداً، ورغم أنها ليست ضد فكرة استئناف العلاقات، إلا أنها تريد تحديد المهمة واتخاذ خطوات عملية في قضية المعارضة السورية. ورغم أن الكويت تتمتع بموقف أكثر توازنا من قطر، إلا أن بعض الاعتبارات والنزعة المحافظة حالت دون اتخاذ خطوة عملية في هذا الاتجاه؛ ولذلك أصبحت هذه القضية قضية مثيرة للجدل في الرأي العام في هذا البلد. في غضون ذلك، اتخذت عُمان موقفاً محايداً بشأن الحرب السورية منذ البداية، واتبعت استراتيجية براغماتية في التركيز على الجوانب الإنسانية للقصة.
لماذا عادت العلاقات السعودية السورية؟
كثيرة هي الأسباب التي دفعت نحو عودة العلاقات السعودية السورية. منها ما يتعلق بالسعودية ومنها ما يتعلق بسورية. فيما يخص السعودية، التي وضعت نصب أعينها تحقيق "رؤية 2030" بعيدا عما قد يوصف بأي تشنّجات وتوتّرات في المنطقة، كان لا بدّ من تحسين العلاقة مع الرئيس السوري، فلتحقيق أهدافها التنموية، رأت القيادة السعودية أنه لا بد من الخروج من موقع المواجهة واعتماد سياسة "تصفير المشاكل"، ولا سيما أن الإعلان عن عودة العلاقات السعودية السورية، جاء بعد إعلان مماثل، حول تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية.
وقال مراقبون حينها إن هذه الخطوة السعودية تجاه كل من إيران وسورية، جاءت نتيجة تراجع الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، كما أنها خطوة تزامنت مع أجواء مصالحات عدة، كالمصالحة الخليجية مع قطر والمصالحة الخليجية مع تركيا.
في الحقيقة تريد الرياض إرساء توازن سياسي في علاقاتها الإقليمية بالارتكاز إلى أمور عدة كتصفير المشاكل وتوسيع الشراكات ومدّ اليد للتعاون التجاري والاقتصادي، وهي سياسة وبراي كثير من المحللين تعبير عن "دبلوماسية التغيير من خلال التعاون مع الآخرين"، وهي سياسة نجحت دولٌ عدة في اعتمادها كألمانيا.
مؤخراً، اتفقت السعودية وسورية على إعادة فتح مسار التعاون الاقتصادي واستئناف الأنشطة والفعاليات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، وتمكين المستثمرين من الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة وسوريا، وإقامة الملتقيات الاقتصادية لرفع الميزان التجاري بين البلدين، بالتزامن مع انفتاح سورية على محيطها العربي، حيث جرى الاتفاق بين الجانبين خلال لقاء رئيس اتحاد الغرف السعودية حسن بن معجب الحويزي، برئيس اتحاد غرف التجارة السورية محمد أبو الهدى اللحام، والوفد المرافق له، وذلك على هامش مشاركتهم في مؤتمر الأعمال العربي الصيني المنعقد بالرياض.[i]
رفض قطري كويتي
مع تطور العلاقات بين الدول الخليجية وسورية فإن قطر والكويت حافظتا على موقفهما الرافض لذلك، والذي يتناغم مع سياسة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا التي لا تشجع على فك العزلة المفروضة على الدولة السورية.
ففي مايو من العام الماضي، صرح المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، بأن موقف قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، مشيراً إلى أن ذلك القرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري. [ii]
بدوره صرح وزير الخارجية الكويتي السابق سالم عبد الله الجابر الصباح، في فبراير من عام 2023، بأن بلاده ليس لديها خطط للتطبيع مع النظام السوري، كما فعلت بعض الدول العربية، في أعقاب الزلزال الذي ضرب شمالي سورية وجنوبي تركيا في الـ 6 من فبراير.
العلاقات مع دولة للإمارات
بالنسبة العلاقات مع دولة الإمارات فقد استقبلت الرئيس السوري بشار الأسد في مناسبتين، الأولى عام 2022 حيث كانت أول رحلة له إلى دولة عربية منذ 2011، والثانية العام الماضي وتحديداً في 19 مارس. كما أجرى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، زيارة إلى دمشق 4 يناير من عام 2023، بحث خلالها مع الأسد العلاقات بين البلدين وسبل تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، حيث كانت ثاني زيارة له منذ نوفمبر 2021.
وفي يناير الماضي، وصل حسن أحمد الشحي إلى دمشق ليكون أول سفير إماراتي في سورية منذ 2011، وتسلّم الأسد في فبراير أوراق اعتماد الشحي سفيراً مفوّضاً فوق العادة للإمارات.
عودة العلاقات بين البحرين وسورية
بعد يوم واحد من خطوة إماراتية مماثلة، وتحديداً في 28 ديسمبر من عام 2018، أعادت مملكة البحرين فتح سفارتها في دمشق بعد إغلاق استمر منذ مارس 2012، وأوضحت الخارجية البحرينية حينها أن افتتاح السفارة يأتي تأكيداً لحرص المملكة "على استمرار العلاقات مع سورية، وعلى أهمية تعزيز الدور العربي وتفعيله من أجل الحفاظ على استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها ومنع مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤونها الداخلية". [iii]
وعقب مرور 3 سنوات على إعادة فتح السفارة، عيّنت البحرين، في 30 ديسمبر من عام 2021، وحيد مبارك سيار رئيساً للبعثة الدبلوماسية لدى سوريا بلقب سفير فوق العادة مفوّض، وذلك بموجب المرسوم الذي حمل رقم 124. [iv]
خلاصة القول
تبحث دول المنطقة بمعظمها عن دور فعال لها في ظل التوترات والأحداث الحاصلة مؤخراً، لذلك تحاول دول الخليج الفارسي في تعاملها مع قضايا دول المنطقة أن تتماشى مع السياسة العامة لمجلس التعاون الخليجي رغم اختلافها في بعض المواقف وذلك حسب دور وأهمية كل دولة من دول المجلس، وتحاول أن تبقي مسار علاقاتها ضمن إطار العلاقات العامة الجيدة لتحافظ على دورها في المشاركة ضمن أي حل لفض النزاعات والخلافات أو لتهدئة الأوضاع كما يحدث الآن في غزة، ورغم الرفض الأمريكي لعملية إعادة العلاقات وتطبيعها مع الحكومة السورية والرئيس الأسد، واتخاذ واشنطن، في فبراير الماضي، خطوة جديدة لمواجهة تسابق الدول العربية للتطبيع مع سورية، عن طريق تصويت مجلس النواب على مشروع قانون يُجرم هذه الخطوة، فإن ذلك لم يكن له ثقل كبير على الأرض، حيث تسعى دول الخليج أن تبقي علاقاتها جيدة أو في إطار التنسيق مع سورية، وأكد جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن الأوضاع في سورية تبقى تحت مظلة اهتمام مجلس التعاون بشكل مكثف؛ إذ يدعو المجلس إلى حل سياسي شامل، يضمن السلامة والأمن لجميع المكونات السورية، ويحترم سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال